حلف الناتو ورسائل المتاهة

قضايا عربية ودولية 2024/07/21
...

علي حسن الفواز


الدخول إلى متاهة الحرب الباردة أو الساخنة لم يعد رهاناً على نجاح السياسة فحسب، بل بات مدخلاً للحديث عن النجاحات المُفتَرضة في الاقتصاد والأمن والأيديولوجيا، وهذه رهانات ليست سهلة، لأنها تتطلب بيئة متماسكة، وقيادات تدرك خطورة البقاء في تلك المتاهة.

الاجتماع الأخير لحلف شمال الأطلسي "الناتو" الذي عُقد في واشنطن كشف عن تعقيدات متاهة الصراعات المفتوحة مع روسيا والصين وكوريا وإيران والمقاومة، والتي ستجعل العسكرة الغربية أمام معطيات واستحقاقات من الصعب السيطرة عليها، لاسيما أنَّ العالم لم يعد كالسابق، فلم تعد الحرب الباردة صالحة في حرب الكوميديا الإيديولوجية، وحكومة بوتين "البرغماتية" ليست حكومة غورباتشوف الشيوعية، وكذلك لم تعد الصين وكوريا الشمالية وإيران مزارع للموز كما كان يتوهم الهيغليون الجدد.

خرج هذا الاجتماع برسائل غامضة، وصعبة التطبيق، فقد دعا الأطلسيون إلى تخفيف الضغوط عن الأوكرانيين في ضرب أهداف داخل روسيا، مع تقديم مساعدات مادية ولوجستية جديدة بقيمة 40 مليار يورو للعام المقبل، مع تفاؤل قلق بثبات الدعم الأميركي للحلف مع احتمال عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية، كما صرّح بذلك ينس ستولتنبرغ "رئيس حلف الأطلسي" على أساس أنَّ هذا الدعم سيكون تعزيزاً للمصالح الأمنية للغرب وللولايات المتحدة، وتحت يافطة أنَّ حرب روسيا في أوكرانيا يمكن أن تتكرر في مناطق أخرى من العالم.

السماح لأوكرانيا بضرب تلك الأهداف، سيفتح الحرب على مساحات أخرى، قد تكون أوكرانيا أول متضرري حرائقها، وقد يدفع ذلك إلى رد عسكري كبير، وإلى سباق ساخن للتسلّح، مما يزيد من أزمات الصراع، ومن الأعباء الاقتصادية والأمنية في أوروبا، وفي زيادة أعداد اللاجئين إليها.

رسائل الناتو لم تستثن الصين من إشاراتها، فخرج الأطلسيون بـ"رسائل قوية" كما أسموها، منددة بدعم الصين لروسيا، ولسياساتها في التجارة وفي تهديد الأمن في جنوب شرق آسيا، وكانت البصمة الأميركية واضحة في صياغة هذه الرسالة، على أساس أنَّ ما يهدد "الكبرياء الأميركي" هي الصين وليس غيرها.

لكنَّ المخجل في الاجتماع هو "البرود" في التعاطي مع ما يجري من عدوان صهيوني في غزّة، إذ خرج الأطلسيون برسالة تبريرية تقول إنَّ "الحلف لا يلعب دوراً مباشراً" وأنه يرحب بالجهود الخاصة- المُعطّلة أصلاً- لوقف إطلاق نار حقيقي فيها، مع إعادة الحديث المكرور عن "الإرهاب" في المنطقة، وعن انتقاد إيران، وعن التحالفات الستراتيجية مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.