الجيش الإسرائيلي الذي أعيته غزة ينظر متوجِّساً نحو لبنان

قضايا عربية ودولية 2024/07/22
...

• شيرا روبن ولايور سوروكا
• ترجمة: أنيس الصفار      

يقول القادة الإسرائيليون إنهم لا يريدون حرباً في لبنان، ولكن بلدهم جاهز ومستعد لأي سيناريو. وخلال زيارته للحدود اللبنانية في الشهر الماضي قال رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو": إن إسرائيل مستعدة لعملية مكثفة للغاية، في حين هدد وزير الدفاع "يواف غالانت" بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، على حد تعبيره.


لكن من وراء هذه الواجهة هناك مخاوف متصاعدة داخل إسرائيل من أن يكون جنودها قد نال منهم الإنهاك إلى أقصى الحدود وأن مواردها قد استنزفت بعد أطول حرب خاضتها منذ عقود. تسعة أشهر من الهجمات العقابية  ضد حماس داخل غزة لم تنجح في قهر هذه الجماعة، ونتانياهو المحاصر سياسياً لا يزال منتظراً منه أن يضع ستراتيجية للخروج. في لبنان سوف تواجه إسرائيل عدواً أشد ساعداً وأفضل تسليحاً وأوفر خبرة، كما يحذر الخبراء، وبذلك فإنها تواجه خطر التورط عسكرياً في مستنقع أعمق من الأول.

جبهة الشمال
منذ 8 تشرين الأول، وهو اليوم التالي للهجوم الذي شنَّته حماس على جنوب إسرائيل وأدى إلى مقتل نحو 1200 شخص ووقوع أكثر من 250 محتجزاً في يد الجماعة، كانت إسرائيل تخوض حرباً على جبهتين. ففي ظرف ساعات من هجوم حماس باشر مقاتلو حزب الله، وهي حركة سياسية مسلحة متحالفة مع حماس، شنَّ هجمات على مناطق شمال إسرائيل من داخل لبنان فكانت تلك بداية مواجهة بأسلوب الرد والرد المقابل عبر الحدود استمرت بالتصاعد والانتشار في عمق أراضي الدولتين شهراً بعد شهر.
تقول إسرائيل إنها أخذت بالانتقال إلى مرحلة من القتال في غزة أخف شدّة، كما استأنفت المفاوضات في القاهرة بشأن صفقة محتملة لإطلاق سراح المحتجزين. بيد أن حزب الله يبقى مصراً على عدم إلقاء السلاح جانباً، أو حتى النظر في مسألة الانسحاب من الحدود الإسرائيلية، قبل أن يوضع وقف إطلاق النار موضع التنفيذ في القطاع.
تعلن إسرائيل وحزب الله، كل من جانبه، أنهما يفضلان حلاً دبلوماسياً، بيد أن أي منهما لا يبدو مستعداً لتقديم التنازلات التي يقتضيها مثل هذا الحل. والنتيجة هي حالة من الجمود الذي يخيم عليه التوتر مصحوبة بتصاعد أعداد القتلى في حين تبقى البلدات الحدودية مهجورة وأشجار الفاكهة ومزارع إنتاج الحليب بلا يد ترعاها، وعلى الجانب الآخر يتصاعد الضغط من قبل النازحين الإسرائيليين على حكومتهم لحملها على القيام بتحرك ما.

خطط الهجوم
قضى القادة العسكريون الإسرائيليون الأشهر الماضية في إعداد الخطط لمهاجمة لبنان. وفي العاشر من شهر تموز الحالي، بعد يوم واحد من مقتل اثنين من المدنيين الإسرائيليين إثر هجوم صاروخي شنَّه حزب الله، صرح عضو مجلس الوزراء السابق لشؤون الحرب "بيني غانتز" بأنه وآخرون معه قد طالبوا نتانياهو في شهر آذار بالموافقة على القيام بتوغل إسرائيلي داخل لبنان، ولكن رئيس الوزراء أبدى تردداً، على حد تعبيره، رافضاً الالتزام بإعادة السكان الإسرائيليين إلى مناطقهم في الشمال بحلول الأول من أيلول، وهو موعد ابتداء العام الدراسي الجديد. قال غانتز: "إسرائيل لا يمكنها أن تتحمل بقاء الأوضاع في الشمال على حالها وإضاعة سنة ثانية. لقد آن أوان دفع الثمن.. أهدافاً عسكرية وبنى تحتية لبنانية يشكل حزب الله جزءاً منها كلها."
تقول "غاييل تالشير"، : أستاذة العلوم السياسية في الجامعة العبرية، أن نتانياهو الذي كان يتباهى ذات يوم بقدرته على منع الحروب يدرك اليوم جيداً أن الجمهور الإسرائيلي ليس مستعداً لمواجهة آلاف الصواريخ التي ستنهمر على تل أبيب.
لذلك، كما تقول تالشير، عمد إلى "عزل نفسه" بدلاً من وضع الستراتيجيات محاولاً تجنب اتخاذ القرارات الصعبة كسباً للوقت وإحاطة نفسه بالموالين المفتقرين إلى الخبرة العسكرية.
يقول المحللون إن نتانياهو صار ينأى بنفسه أكثر من السابق عن كبار قادة الجيش منذ حله حكومة الحرب عقب خروج غانتز مؤخراً، بمن فيهم غالانت الذي كان يحث منذ أشهر على وقف إطلاق النار والتوصل إلى اتفاق بشأن المحتجزين من أجل السماح للجيش بالتركيز على لبنان.

تساقط الصواريخ
في أعقاب تساقط عشرات الصواريخ على إسرائيل مؤخراً، بما في ذلك القاعدة العسكرية الستراتيجية في جبل ميرون، قال غالانت: "هذه أيام حاسمة من حيث فرض قوتنا على حزب الله الذي لن يستجيب إلا للقوة."
لم تتوقع القلة من الإسرائيليين الذين بقوا في شمال إسرائيل للدفاع عن الحدود عقب أحداث 8 تشرين الأول أن يطول بهم الانتظار كل هذه الفترة دون انجلاء الموقف.
يقول "أومير سيمتشي"، الذي بقي في الخدمة العسكرية طيلة تسعة أشهر ضمن فوج الدفاع المحلي في كيبوتس ساسا، وهي إحدى المستوطنات الزراعية في الجليل الأعلى لا تبعد أكثر من ميل واحد عن الحدود اللبنانية: "عوائلنا قد تعبت."
كانت زوجة سيمتشي وطفلاه الصغيران من بين نحو 100 ألف إسرائيلي تم إخلاؤهم من مناطق شمالي إسرائيل عندما بدأت صواريخ حزب الله وطائراته المسيرة الانقضاضية وقذائفه المضادة للدبابات بالتساقط كالمطر في السنة الماضية لتحيل هذه المنطقة الجبلية الرعوية إلى منطقة مواجهة. بالمقابل اضطرت أعداد مماثلة من اللبنانيين إلى النزوح عن مناطقها بسبب الهجمات الإسرائيلية عبر الحدود الجنوبية لبلدهم.
قتل ما لا يقل عن 94 مدنياً وأكثر من 300 مقاتل من حزب الله جرَّاء الغارات الإسرائيلية على لبنان، كما أسفرت هجمات حزب الله عن مقتل 20 جندياً إسرائيلياً و 11 مدنياً على أقل تقدير.
تمكن سيمتشي من العثور على بديل يحل محله في الفوج عندما احتاجت عائلته اليه، ولكن لم تكن هناك أبداً أعداد كافية من المتطوعين. قال سيمتشي متحدثاً في قاعة تابعة لمدرسة الكيبوتس التي دمرتها صواريخ حزب الله في شهر كانون الأول: "لا أعلم إن كان سيتم التوصل إلى اتفاق دبلوماسي أم ستكون هنالك حرب، كل الذي أعلمه هو أن الأوضاع لا يمكن أن تستمر على هذا النحو."
يقول رئيس المجلس المحلي "موشي دافيدوفيتش": إن مئات المنازل قد تضررت أو دمرت في مناطق مختلفة من شمال إسرائيل، وتلك مجرد لمحة صغيرة لشكل الدمار الذي يمكن أن يلحقه حزب الله في حالة نشوب حرب شاملة يتوقع لها أن تؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع ورجم كثيف بالصواريخ والقذائف ومعارك برية عنيفة ضد مقاتلين حسني التدريب والتجهيز يخوضون المعركة على أرض ألفوها ويعرفونها خير معرفة. من المعتقد أن لدى حزب الله أكثر من ضعفي عدد المقاتلين الذين لدى حماس وأكثر من أربعة أضعاف ما لديهم من الذخائر بضمنها الصواريخ الموجهة. اليوم أخذ التعبير عن القلق من أن إسرائيل قد لا تكون مستعدة لهذا كله يتعالى جهاراً.

منظومة منهكة
في مقابلة مع محطة الإذاعة الإسرائيلية في الشهر الماضي قال "يائير غولان" زعيم حزب العمل الاإسرائيلي والنائب السابق لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي: "لقد أنهكت منظومة قوات الاحتياط والجيش النظامي حتى العظام."
يقو "يوئيل غوزانسكي" المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الذي يشغل الآن منصب زميل أقدم في معهد دراسات الأمن القومي: "لقد اعتادت إسرائيل على خوض حروب قصيرة، ولكن الجيش، بعد تسعة أشهر، قد بلغ حد الانهاك، كما أن المعدات نفسها بحاجة إلى العناية والذخائر استنفدت وكل عائلة في إسرائيل قد مسَّها من ذلك نصيب."
حتى المواجهة منخفضة الشدّة نسبياً على طول الحدود كان لها عبؤها المرهق على الجنود في الخطوط الأمامية. يقول أحد جنود الاحتياط الإسرائيليين، يبلغ من العمر 25 عاماً وتحدث مشترطاً عدم الكشف عن هويته وكان قد أرسل إلى شمال إسرائيل منذ 7 تشرين الأول، أن آثار الاستنزاف والإعياء قد تراكمت لديه بعد بقائه تحت النار على مدى أربعة
أشهر.
يقول إنه عندما انتهت فترة استدعائه وجد أن من الصعب عليه العودة إلى حياته المعتادة. لهذا السبب طلب إجازة من عمله كمدرس لكي يتمكن من إعادة التكيف مع الحياة المدنية، وهو الآن يستعد لاستدعائه مرة ثانية ويتساءل إن كان قادراً على تحمل ذلك. يقول إن أصدقاءه أيضاً يواجهون صعوبة في اتخاذ القرار.
منذ انطلاق عملية غزة قتل 325 جندياً إسرائيلياً، وهذا يفوق عدد من قتلوا في حرب 2014 مع حماس بأربعة أضعاف. يفاقم من تلك الخسائر الشعور المتعاظم بالفشل الستراتيجي، ففي أواخر الشتاء أعادت إسرائيل معظم جنودها الاحتياط إلى منازلهم دون أن تحقق أياً من أهداف الحرب المعلنة: وهي تدمير حماس وإعادة أكثر من 100 محتجز لا يزالون في غزة.
بالمقابل لقي أكثر من 38 ألف فلسطيني مصرعهم في غزة بحسب إحصائيات وزارة الصحة في قطاع غزة، التي لم تميز بين المقاتلين والمدنيين ولكنها أفادت بأن معظم القتلى كانوا من النساء والأطفال.
يقول الخبراء إن الحرب بين إسرائيل ولبنان سوف تكون كارثة على الجانبين. فبعد نشرها مقاطع مصورة التقطتها طائرة مسيرة في الشهر الماضي لمدينة حيفا الإسرائيلية ومينائها حذَّر زعيم حزب الله حسن نصر الله من حرب "بلا قواعد ولا أسقف"، على حد تعبيره. وفي وقت سابق من هذا الشهر نشر وزير الخارجية الإسرائيلي "كاتز" في حسابه على منصة "أكس" نصاً قال فيه: "يا نصر الله، إذا لم تتوقف عن إطلاق التهديدات والعنف وتنسحب إلى نهر الليطاني فستكون أنت من دمر لبنان."

فخ الغزو
لكن أي غزو إسرائيلي للبنان ربما سيتحول إلى "فخ"، كما يقول غوزانسكي، يجرّ إسرائيل إلى منزلق حرب طاحنة أخرى لا نهاية لها. يضيف غوزانسكي: "ثمة اعتقاد زائف في إسرائيل بأن الحرب هناك قد تنتهي في غضون أيام أو أسابيع."
مشاهد الدمار في لبنان قد تكون من نتائجها أيضاً تصعيد الضغط الدولي على إسرائيل وزيادة التوترات مع واشنطن.
ففي الشهر الماضي قال نتانياهو إن هناك "تراجعاً دراماتيكياً في شحنات الأسلحة الواردة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل"، حسب تعبيره، وأن ما تم استلامه منذ ذلك الحين ليس سوى "نزر ضئيل"، وهو ادعاء نفاه المسؤولون الأميركيون بقوة. يقول مسؤولون أميركيون إن بعض القنابل التي تأجل تسليمها منذ شهر أيار هي الآن في طريقها إلى إسرائيل.
من أجل تفادي الحرب في لبنان يطالب المسؤولون الإسرائيليون – عبر دبلوماسيين أميركيين وأوروبيين- حزب الله بالتراجع لمسافة 10 أميال تقريباً إلى الشمال من الحدود، لما وراء نهر الليطاني، وهو الحد الذي تم ترسيمه عسكرياً واتفق عليه في نهاية حرب 2006.
كانت "دارينا كالابرينو"، وهي من سكان كيبوتس ساسا، تقيم في مدينة كريات شمونه القريبة في العام 2006، واضطرت يومها للاختباء في ملجأ ضد القنابل حين أصيب منزلها بأحد صواريخ حزب الله. وفي العام 2018 أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قد اكتشف خططاً أعدها حزب الله لاقتحام منطقة الجليل، حيث عثر على عدة أنفاق تمتد عبر الحدود، بيد أن سكان المنطقة يعتقدون أن هناك المزيد منها.
تقول كالابرينو إن شدّ ما تخشاه هو حدوث تسلل بأعداد كبيرة من المقاتلين وما سيتبع ذلك من أعمال عنف مثل تلك التي شهدتها الكيبوتسات الجنوبية.
• صحيفة واشنطن بوست