الأدباء وزوجاتهم

منصة 2024/07/24
...

 ميادة سفر

جادل الكثيرون في علاقة المرأة ودورها في الحياة الإبداعيَّة للرجل، فقد تأرجحت تلك العلاقة بين موقفين إما الاهمام الكبير أو الاهمال الزائد، فبينما حضرت المرأة الزوجة بقوة في حياة بعض الأدباء والفلاسفة، نجدها في حياة آخرين غير موجودة ولا تكاد تذكر، قد يكون ذلك نابعاً من نظرتهم وآرائهم حول الزواج أو كانت تلك المواقف خاصة بالمرأة على وجه الخصوص، فقد كره فيلسوف التشاؤم الكبير شوبنهاور المرأة لأنّها سبب شقاء البشريّة برأيه لما تسهم به في التكاثر، بينما لم يعرف إيمانويل كانت امرأة في حياته، وحين طلبت إحداهن الزواج منه استغرق منه التفكير سبع سنوات كانت خلالها تلك السيدة قد تزوجت ورزقت بالأطفال.
أما أولئك الكُتّاب الذين دخلت المرأة حياتهم على اعتبار الزواج سنة الحياة، فقد وسمت العلاقة بينهما بالتباين بين كاتب وآخر، ففي الوقت الذي أرادها البعض شريكة في كل تفاصيل حياته الشخصية والأدبية، أبعدها آخرون عن حياتهم، واعتبرها بعضهم كائناً مثبطاً وسبباً للتوتر والإرهاق النفسي فحملوها أوزاراً ما كانت لتحملها لو فكروا بطريقة أخرى.
كانت "زانتيب" الزوجة الأشهر في تاريخ حياة الفيلسوف سقراط، تلك المرأة ذات اللسان السليط، الكارهة للفلسفة التي كانت تراها عملاً لا يدر دخلاً، فقد ربطت بينهم علاقة زوجيّة متوترة مليئة بالبؤس والتعاسة، إلا أنه بالرغم من ذلك سيعترف بفضل تلك المرأة عليه حين قال: "لولاها لما تعلمت أنّ الحكمة في الصمت، والسعادة في النوم"، وكان يقول لتلامذته: "تزوّجوا على كل حال، فإن كانت زوجتكم صالحة، عشتم حياة سعيدة، وإن كانت متسلّطة وكريهة كزوجتي، صرتم مثلي فلاسفة"، تلك أقوال نسبت إلى فلاسفة كبار تركوا بصمة لا تمحى في تاريخ الفكر والفلسفة، ومهما يكن من آرائهم عن النساء فإن البيئة التي وجدوا فيها لا بدّ تركت أثرها على كلا الطرفين.
في ضفة أخرى تحضر السيدة العظيمة التي بفضلها تمكن الروائي غابرييل غارسيا ماركيز من إرسال روايته الأشهر "مئة عام من العزلة" إلى الناشر في الأرجنتين، بعد أن باعت ورهنت أدوات منزلية وبعض ممتلكاتها لتسديد أجور البريد وتوفير المال لإرسال الجزء الثاني من الرواية التي ستحقق نجاحاً باهراً، مرسيدس زوجة غابرييل ماركيز كانت الشريكة والزوجة التي تجاوز معها وبمساندتها كل الصعاب، وعنها سيقول: "زوجتي مرسيدس أكثر إنسان ممتع ومساند قابلته في حياتي، وبفضلها استطعت تخطي الصعاب".
لم تكن "فيرا" زوجة الأديب الروسي فلاديمير نابكوف بأقلّ شأناً ودعماً له من زوجة ماركيز له، فقد لعبت دوراً محورياً وأساسياً في حياته وشهرته وبروزه كاتباً مشهوراً في روسيا والعالم، فقد كانت "فيرا" تطبع له كتبه على الآلة الكاتبة، وتراسل دور النشر لطباعتها وتسهم في انتشارها، وبعد أن جمعتهم قصة حب طويلة، لم تكن مجرد زوجة بل كانت مساعدته والداعمة الأولى له ولم تتوقف عن ذلك حتى بعد وفاته فقامت بترجمة كتبه إلى عدد من اللغات الأخرى مما أسهم كذلك في انتشار وشهرة نابكوف التي لم تتغير حتى اليوم.
في عالمنا العربي كانت سوزان تلك الفتاة الفرنسية الجميلة الأكثر شهرة بين زوجات الأدباء، وهي شريكة حياة عميد الأدب العربي طه حسين فقد تركت أثراً كبيراً وعظيماً في حياته باعترافه شخصياً فكانت "المرأة التي أبصر بعينيها" وهي التي "جعلت شقاؤه سعادة، وضيقه سعة وبؤسه نعيماً وظلمته نوراً"، حتى في كتابها الذي أصدرته بعد وفاته وأسمته "معك" لم تكن تتطرّق إلى ما قدمته للأديب طه حسين ودورها في حياته، بل ركزت عليه وصبّت كل اهتمامها وحديثها عنه وكان ذلك جلياً من عنوان الكتاب "معك"، كان سوزان المرأة التي أحبها طه حسين وقال "من دونك أشعر فعلاً أني ضرير، لأني معك قادر على استشعار كل شيء وعلى الاختلاط بالأشياء التي تحيط بي".
لم تكن علاقات الأدباء مع زوجاتهم على وتيرة واحدة، ولا متشابه في معظمها، من خلال استقراء بعض الحالات التي أشرنا إليها، بينما فضّل كتاب آخرون الابتعاد عن مؤسسة الزواج والتمتع بالحرية التي يقوضها الزواج وفق رأيهم، وأياً يكن.. يبقى حضور المرأة رهناً بكثير من العوامل الفكرية منها والاجتماعية، ولا يمكن تجاهل دورها في مفاصل حياة كتاب كثيرين، لدرجة أنّ كثيرات دفعن حياتهن الجسدية والفكرية ثمناً لأزواج لم يستحقونها وفي تاريخ الأدب أمثلة كثيرة عن ذلك.