ترجمة: نجاح الجبيلي
توفي في تيرانا عاصمة ألبانيا عن عمر ناهز 88 عاماً الروائي والشاعر إسماعيل كاداريه الذي لفت الانتباه العالمي إلى أمّته البلقان المنعزلة، بينما كان يُخفي انتقادات النظام الشيوعي في البلاد عبر التاريخ والسخرية والفولكلور والأسطورة. غالبًا ما يقارن كاداريه بفرانز كافكا وجورج أورويل وميلان كونديرا، لمشاركتهم في نزعة فنتازية وموهبة إلقاء الضوء على مخاطر وسيكولوجيا الحياة في ظل الدكتاتورية.
تُرجمت رواياته، بما فيها "مدونة الحجر"، "الجسر ذو الثلاثة أقواس"، إلى عشرات اللغات وفتحت نافذة نادرة على ألبانيا التي كانت معزولة عن بقية العالم خلال حكم أنور خوجة لأربعة عقود، وهو زعيم شيوعي قمعي مصاب بجنون العظمة، حظر الدين، وتقييد السفر، ومضايقة الأقليات العرقية، وقطع العلاقات مع موسكو وواشنطن، وسجن وقتل المعارضين السياسيين.
لم يكن كاداريه كاتبًا سياسيًا متشددًا، ولكن عبر مؤلفاته، التي نقلت القرّاء إلى ألبانيا المعاصرة والإمبراطورية العثمانية ومصر القديمة، وجّه انتقادات مستترة للنظام، مستخدماً الهجاء والسخرية كأداتين للتهكم من البيروقراطيين والشرطة السرية. استحضرت إحدى رواياته الأولى "الوحش - 1965" حالة الذعر الدائم التي يعيشها النظام الشمولي، متخيلاً بلدة تستيقظ لتجد حصان طروادة خارج أسوارها، ثم تنتظر بفارغ الصبر يوماً بعد آخر أن يحدث شيء للحصان. وفي رواية "مدونة الحجر"، تحدث عن الحياة في زمن الحرب في المدينة الصغيرة التي نشأ فيها، ووجّه نقداً خفياً للحياة في ظل النظام الشمولي. كان كاداريه، خلال سنوات حكم خوجه، ينتقل بحذر بين الحرية الفنية وضرورة البقاء. وسعياً لتجنب إرساله إلى السجن أو فرقة الإعدام بسبب مؤلفاته، عمل نائباً في المجلس التشريعي في ألبانيا ومسؤولاً في اتحاد أدباء الألبان. وفي منتصف السبعينيات، اضطر إلى انتقاد نفسه علانية بعد أن كتب قصيدة بعنوان "الباشوات الحُمر"، هاجم فيها بيروقراطية البلاد. وأعادت رواية لاحقة بعنوان "الشتاء العظيم" بعضاً من مكانته لدى النظام، حيث قدمت صورة إطراء لخوجه في حين سلطت الضوء على الانقسام السياسي بين ألبانيا والاتحاد السوفييتي. وتعامل كاداريه مع الدكتاتورية بشكل مباشر في روايات مثل "قصر الأحلام" التي تم حظرها من قبل النظام، على الرغم من أنه بحلول ذلك الوقت كان قد بيع منها نحو 20 ألف نسخة.
وكما قال كاداريه، فقد تمت حمايته في نهاية المطاف من انتقام الحكومة بدعم "الأمة الألبانية بأكملها" له، التي استمرت في قراءة أعماله لفترة طويلة بعد انشقاقه ورحيله إلى باريس في عام 1990. منحته فرنسا اللجوء السياسي واتجه إلى الغرب بحجة الترويج لكتبه. ولفتَ إلى أنه واجه تهديدات من الشرطة السرية، إذ قال إنَّ "انشقاقي سيساعد في تحقيق الديمقراطية في بلدي، أكثر من أي إجراء يمكنني القيام به في ألبانيا". سقط الحكم الشيوعي بعد نحو 18 شهراً، وسرعان ما عاد كاداريه إلى شقته في تيرانا، ليقسم وقته بين ألبانيا والغرب. استمرت سمعته الأدبية كبيرة، وكثيراً ما كان ينافس على الفوز بجائزة نوبل في الأدب, وحصل عام 2005 على جائزة البوكر العالمية، مع شرف الإنجاز مدى الحياة. وقال كاداريه في خطاب قبوله للجائزة، في إشارة إلى زملائه الكتاب الألبان: "لقد دعمنا بعضنا البعض، حيث حاولنا كتابة الأدب كما لو أنَّ هذا النظام غير موجود. بين الحين والآخر نجحنا في ذلك. وفي أوقات أخرى فشلنا. إنَّ فكرة أننا نستطيع أن نقدم لقيمات من الغذاء الروحي لأمتنا السجينة ملأتنا بالفرح". ولد إسماعيل كاداريه، وهو الثاني من بين ثلاثة أطفال، في بلدة غيروكاستر الجنوبية- نفس مسقط رأس أنور خوجه في عام 1936. كان والده موظفًا حكوميًا، حين كان في الثالثة من عمره، غزت القوات الإيطالية المنطقة. أعقب ذلك صراع سياسي خلال الحرب العالمية الثانية، والذي صوره بشكل درامي في كتابه "مدونة الحجر".
بعد أن استولى الشيوعيون على السلطة في عام 1944، تم توجيهه وغيره من الأطفال نحو أعمال الواقعية الاشتراكية السوفيتية. كان أكثر اهتماماً بكتب مثل "مكبث"، التي بدأ قراءتها بشغف في سن الحادية عشرة، وكان مفتونًا بتصوير شكسبير للسياسة المضطربة في مشهد ممطر يسكنه السحرة والقتلة. بعد ذلك درس كاداريه في جامعة تيرانا وأكمل دراساته العليا في موسكو في معهد مكسيم غوركي للأدب.
هاريسون سميث
عن صحيفة واشنطن بوست
اسماعيل كاداريه: قصر الأحلام