أمواجُ زجاجيَّة

ثقافة 2024/07/24
...

  نيت هاوس
  ترجمة: أحمد رحمن

الصيف الماضي كان من المفترض أن أنهي رواية. لكن كانت هناك أمواج، أمواج كثيرة. بذلت قصارى جهدي لأحاول الكتابة.
استيقظت في الساعة 4:30 صباحا، وأخذت الكلاب تحت النجوم في فناء منزلنا، استنشقت رائحة المحار والملح من خليج ديلاوير على بعد ميلين إلى الجنوب.  إلى الداخل عدت لمحاولة كتابة بضع مئات من الكلمات قبل شروق الشمس.  

في أحيان كثيرة، لم أكتب شيئًا يستحق العناء، استسلمت، ووضعت بعض ألواح التزلج على الأمواج في الشاحنة، وتوجهت إلى موقعي المفضل في جنوب جيرسي، الذي أحببته أنا وزوجتي. نزلت إلى الماء وتساءلت كيف من الممكن ركوب أمواج زجاجية تماما يصل ارتفاعها إلى الخصر لوحدنا في الولاية الأكثر كثافة سكانية في البلاد. حينما أتت موجة في طريقي، استدرت، وجدفت، ووقفت، وسرت لمقدمة لوح التزلج وفقدتُ نفسي في تلك اللحظة السحرية حيث لا شيء آخر في العالم يهم.  لا شيء، سوى ركوب موجة أخرى.
هنا تكمن المشكلة: أن تكون كاتبًا يركب الأمواج، أو راكب أمواج يكتب. حينما تعصف موجة في الأفق، يتوقف كل شيء آخر في الحياة- الكلاب، الأحباء، المواعيد النهائية والكتابة - لتزيد الطين بلة . والأسوأ من ذلك، أنه بمجرد أن تستمتع تمامًا بركوب الأمواج وتشعر بالنشوة والإثارة، يصبح من المستحيل تقريبًا كتابة أفكار متماسكة، خاصة تلك التي تحاول وصف التجربة الرائعة لركوب الأمواج.
قد يكون هو ذا السبب وراء وجود عدد قليل جدًا من الكتب حول رياضة ركوب الأمواج التي تمكنت من نقل تجربة المشي على الماء بشكل مناسب.  نعم، إن رواية "Caught Inside" لدانييل دوان، و "Barbarian Days" لوليام فينيجان،  "Search of Captain Zero" ل الان ويسبكر، رسمت لوحات ملونة لحياة ركوب الأمواج، مليئة بالأوصاف الجميلة للمحيط، الدلافين، الأمواج. مع ذلك، يبدو أن التجربة الحقيقية لركوب الأمواج في حد ذاتها بعيدة حتى عن أكثر كاتبي ركوب الأمواج موهبة.
يمكن القول إن جميع الكتّاب يواجهون صعوبة في وصف أكثر لحظاتنا الحميمية والشديدة، يعانون مع صياغة الجمل التي تسمح للقارئ بتجربة الحب، الجنس والأسى الساحق للقلب لشخصياتهم. لكن كُتاب هذه المواضيع يعلمون أننا جميعًا (على أمل) قد واجهنا الثلاثة جميعًا، ويستخدمون معرفتنا والاستعارات المشتركة لوضعنا في عقل وجسد الشخصية حتى نتمكن من الشعور أو على الأقل فهم ما يشعرون به. يمكن التعبير عن الحب، الجنس، والأسى الساحق للقلب بلغة نفهمها جميعًا. مقتنع أنا بأن ركوب الأمواج لا يمكن ترجمته للغة كهذه.
بدلًا من الكتابة عن ركوب الأمواج، أفضل ما يمكننا فعله نحن راكبو الأمواج هو محاولة استخدام تجربة هذه الرياضة، والسعي، لفتح عقولنا بنفس الطريقة التي يفعلها الركض مع الكُتاب مثل جويس كارول أو هاروكي موراكامي. في حين أنه قد يكون من المستحيل الكتابة بعد ركوب الأمواج، فإن ما يحدث غالبًا - على الأقل بالنسبة لي - هو أن بضع ساعات في المحيط تخلق وعيًا مكثفاً بالأشياء المحيطة بي، سواء كان المحيط أو الناس أو حتى حركة المرور.  خلال هذه اللحظات من الحساسية المتزايدة، نصبح نحن البشر على دراية بأدق التفاصيل - الرجل العجوز في سيارة مرسيدس جديدة تمامًا في محطة الوقود يجلس بمفرده، ويخدش تذاكر اليانصيب بشكل هستيري؛ قطة ميتة على جانب الطريق؛  ضحك مجموعة من المراهقين يدخنون الحشيش على الشاطئ.
بعد بعض أفضل جلسات ركوب الأمواج في الصيف، غالبًا ما أجد نفسي أبكي أثناء مشاهدة مقاطع فيديو لبروس سبرينغستين وهو يجلب الجمهور إلى المسرح.  أعتقد أن هذه الحساسية المتزايدة، حين يتم تسخيرها بشكل صحيح، قد تكشف للكاتب - أو لهذا الكاتب على الأقل - كل التفاصيل الصغيرة التي تجعلنا بشرًا.  نفس التفاصيل التي تصنع الكتابة الجيدة.
هنا في جيرسي، كان لدينا أحد أكثر فصول الصيف حرارة على الاطلاق. أحرقت الرمال على الشاطئ أقدامنا. ازدادت حالات الإصابة بالبكتيريا آكلة اللحم على طول الساحل، بسبب الاحتباس الحراري على الأرجح. الذباب، الذي جلبته الرياح الغربية الخفيفة من الخليج الخلفي إلى الشاطئ، اخترق أي قطعة من اللحم المكشوف.
كانت الأخبار تشير باستمرار إلى الإخفاقات الأخلاقية لرئيسنا، ومع ذلك ظل أنصاره معه. نركب الأمواج للهروب من كل هذا، ومع ذلك فإنه في بعض الأحيان يجعل كل تلك الأخبار أكثر تدميرا بسبب حالتنا الحساسة المتزايدة.
 أمضيت أكثر من عشرين عامًا في ركوب الأمواج، ثلاثين عامًا في الكتابة. لا زلت أصارع كل منهما، محاولاً معرفة كيفية جعل النشاطين، شغفيّ الكبيرين، يتناغمان مع جميع جوانب حياتي الأخرى. حين أكون في أسوأ أحوالي، أصارع في الحياة، ركوب الأمواج والكتابة، زوجتي ترشدني بلطف للعودة إلى بيرسي شيلي: كل الأشياء موجودة كما تُدرك: على الأقل بالنسبة  إلى المُدرك. "العقل مكانه الخاص، ويمكنه من تلقاء نفسه أن يصنع جنة من جحيم، وجحيما من جنة". لكن الشعر ينتصر على اللعنة التي تلزمنا بأن نخضع لصدفة الانطباعات المحيطة. سواء أكان ينشر ستارته المجازية الخاصة أو يزيل حجاب الحياة المظلم عن مشهد الأشياء، فإنه يخلق لنا على حد سواء كيانًا داخل كياننا.
الكلمات التي تصف لحظة واحدة في الزمن، يتشاركها اللوح، العقل، الجسد، الرياح، المد، الرمال، والتي تربطنا بكل الجمال والمعاناة الموجودة في الكون. يجعلنا ركوب الأمواج والكتابة نستمر في البحث عن تلك الموجة أو الجملة أو القصيدة المثالية حتى نتمكن من تجربة تلك اللحظة مرارًا وتكرارًا.