سورة الحسين (ع)

ريبورتاج 2024/07/24
...

 وسام الفرطوسي

﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾.
تعدُّ سورة سورة الفجر، سورة الحسين "عليه السلام، فقد رُوِيَ عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام أنَّهُ قال: "اقْرَؤُوا سُورَةَ الْفَجْرِ فِي فَرَائِضِكُمْ فَإِنَّهَا سُورَةُ الْحُسَيْنِ عليه السلام، مَنْ قَرَأَهَا كَانَ مَعَهُ فِي دَرَجَتِهِ مِنَ الْجَنَّةِ‏ كما رُوِيَ عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً أنَّهُ قال:"اقْرَؤوا سُورَةَ الْفَجْرِ فِي فَرَائِضِكُمْ وَنَوَافِلِكُمْ فَإِنَّهَا سُورَةُ الْحُسَيْنِ، وَارْغَبُوا فِيهَا رَحِمَكُمُ اللَّهُ".
فَقَالَ لَهُ أَبُو أُسَامَةَ ــ وَكَانَ حَاضِرَ الْمَجْلِسِ: كَيْفَ صَارَتْ هَذِهِ السُّورَةُ لِلْحُسَيْنِ عليه السلام خَاصَّةً؟ فَقَالَ: "أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى‏:﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ 2 إِنَّمَا يَعْنِي الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا، فَهُوَ ذُو النَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ الرَّاضِيَةِ الْمَرْضِيَّةِ، وَأَصْحَابُهُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ هُمُ الرَّاضُونَ‏ عَنِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ رَاضٍ عَنْهُمْ، وَهَذِهِ السُّورَةُ فِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام وَشِيعَتِهِ وَشِيعةِ آلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً، فَمَنْ أَدْمَنَ‏ قِرَاءَةَ الْفَجْرِ كَانَ‏ مَعَ‏ الْحُسَيْنِ‏ عليه السلام فِي دَرَجَتِهِ فِي الْجَنَّةِ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".
الأمر المقسَم به في في قوله تعالى ﴿... وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ لا بُدَّ أنْ يكونَ قضية واضحة كل الوضوح لأهل مكة، وغيرهم وكونها قضية تكشف عن أمرٍ إلهي يرتبط بالهداية لا ينكره أحد.
إنَّ أعظم مشهدٍ في الجزيرة العربية قبل البعثة هي قضية إبراهيم وإسماعيل في الليالي العشر من ذي الحجة وفجر اليوم العاشر منه، حيث بني البيت الحرام واختتم بالحجر الذي طبعت عليه أقدام إبراهيم وهو ابن مئة سنة اثرها وقد بقي الحجر والأثر الى زمن نزول القرآن بل الى زماننا هذا تتناقل خبره الأجيال ويشهده زوار البيت حقيقة قائمة، كما تتناقل الأجيال قصة ابتلاء الله إبراهيم بذبح ولده إسماعيل وفداء الله له بكبش عظيم على مرأى ومشهد من الناس.
وقصة إبراهيم وابتلاؤه بذبح ولده مدوَّنة في سفر التكوين من التوراة بل ويعرف هؤلاء أنَّ الله تعالى أكرم إسماعيل بأنْ جعل من ذريته النبي واثني عشر عظيماً من أهل بيته، ويعرف ذلك أهل مكة، لأنهم ذرية إسماعيل التي استوطنت البيت منذ نشأته تنتظر تحقق الوعد الإلهي لإسماعيل.
والأمر المقسم به في قوله تعالى ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴾ اختلف فيها المفسرون على آراءٍ شتى لم تثبت بدليلٍ وغاب عنهم الرأي الباده الذي تفرضه اللغة والسياق.
أما ﴿وَالشَّفْعِ ... ﴾ (الشفع) في اللغة فهو ضم الشيء الى مثله ويقال للمشفوع شفع، ومعنى ذلك يقسم الله تعالى بفجر وليالي عشر من شهر آخر تشابه تلك التي من شهر ذي الحجة بكونها كشفاً عن أمرٍ إلهي يرتبط بالهداية.
أما ﴿... وَالْوَتْرِ﴾، فهو الظلامة في دم. أما ﴿َاللَّيْلِ ... ﴾، إذا يسرِ فهو كناية عن أخذ الثأر وزوال الهم الذي أنتجته الظلامة.
وفي ضوء الرواية التي وردت يتضح أنَّ الليالي العشر هي العشر الأولى من شهر المحرم سنة 61هـ وفجرها هو يوم العاشر الذي قتل فيه الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه، والوتر هي ظلامة الحسين (ع)، والليل إذا يسر فهو ظهور المهدي وأخذه بثأره.
ويتضح من ذلك أيضاً أنَّ الله تعالى أقسم بقضية واضحة لدى قريش وأهل الكتاب ترتبط بالليالي العشر وفجر عاشورائها من ذي الحجة وهي قصة إبراهيم وإسماعيل وبناء البيت ورؤيا إبراهيم في ذبح ولده، وتصديق إبراهيم واستجابة إسماعيل لطلب أبيه يوم العاشر يوم النحر وفداء الله تعالى له بذبحٍ عظيمٍ وما رتب الله تعالى على ذلك من الإمامة الإلهية لإبراهيم وإسماعيل والطاهرين من ذريته، ثم انطلق منها للإخبار عن قضية مشابهة ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ 6 تبرز فيها العناصر نفسها الليالي العشر، وفجر عاشرها، ورؤيا للرسول بذبح ولده على يد شر خلقه من دون أنْ يفدي الله تعالى هذا الولد البار بأبيه ليكون دمه وتراً (ظلامة) إلهياً يأخذ الله تعالى بثأره باستئصال كل قوى الظلم والفساد من على الأرض فيتحول الهم والغم الى سرور.
فيكون القسم بشيء مضى وبشيء سوف يقع، وهو أسلوب لا يمارسه إلا الخالق القدير على كل شيء الذي يستوي عنده الماضي والمستقبل.
وقد أخبر أنبياءه بهذا الأمر المستقبلي بشكل تفصيلي، وهذا الإخبار المستقبلي عند تحققه سيكون من أهم الأدلة على أحقية هذه القضية في نفسها، فضلاً عن دليلٍ جديدٍ على أحقية القرآن الكريم وانه وحي إلهي.
ثم تذكر السورة بعد ذلك نماذج من الأمم التي ظلمت وأسرفت في ظلمها كيف انتقم الله تعالى منها، وهم قوم عاد وثمود وفرعون، كأنَّ السورة تريد أنْ تقول: إن الذين يظلمون الحسين (ع) وصحبه سوف يكون مصيرهم مصير قوم عاد وثمود وفرعون.
ثم تتحدث السورة بعد ذلك عن الانسان وحبه للمال والحياة الدنيا وايثارهم الدنيا على الاخرة. وهددتهم بالعذاب الأخروي ثم اختتمت السورة بتوجيه الخطاب الى الحسين (ع) ووصفه بكونه صاحب النفس المطمئنة المسلمة لأمر الله، مهما كان الابتلاء عظيماً ولم تر عينٌ مثل ما جرى في
كربلاء.