خضير الزيدي
وظف الفنانون العراقيون منذ ستينيات القرن المنصرم الحكاية الشعبية في الرسم، ويومها بدت جزءا فاعلا من معطيات مرحلة برز فيها أمر العودة إلى التراث والتاريخ حاجة ملحة وضرورة يمكن من خلالها الولوج إلى طبيعة المجتمع وقراءته وتوظيفه والحفاظ على سماته الاجتماعية عبر التأكيد على تداوله عبر وقائع الرسم التعبيري والواقعي معا. وكانت محاولة ايجاد الذات والهوية مفتوحة على المستوى الحركي من خلال التعاطي المعرفي والجمالي ونجح نفر من أولئك الفنانين في استثمار الحكاية الشعبية والدينية مع اختلاف الدوافع الباطنية، وبدا التأسيس ضمن مختبرات الستينيين بشكل واضح وصريح وانتبه النقاد إلى المحاولات الدؤوبة لجواد سليم، وضياء العزاوي، واسماعيل الشيخلي. وشكلت لهم البيئة العراقية عبر عوالم الفلكلور والنمط الشعبي للحياة الاجتماعية قاعدة وركيزة استندت عليها مخيلتهم واستثمار الموروث الشعبي والديني وكأنه اتجاه فني وجمالي يلازم توجهات الفن العراقي يومها. والملفت أن الحكايات الرمزية تجلت بكل حمولاتها التعبيرية ولم تتوقف الرؤية الدينية للتوظيف عن التقارب عند فنانين ملهمين، وبدا كأنه تيار فني يحتاج إلى روابط للتأكيد عليه، فما الغاية من العودة إلى الحكايات الشعبية والدينية عند الفنانين
العراقيين؟
لامس نفر من الرسامين العراقيين مكونات البيئة لإيمان بأنها جزء من الهوية، وبانت طريقة العودة إلى الجذر التاريخي لتقليد الفن السومري والآشوري نتاجا لبيان الهوية القومية، وزيّن الفنانون طريقة ذاكرتهم الفنية بالتوظيف الرمزي واضعين أمام اعينهم ما يتوفر من قواعد وأسس جمالية وتعبيرية تجعل الفن في مصاف متقدم، وهو يعزز من دور التاريخ ويلجأ إلى المأثور من القول الشعبي والديني. يومها لم تكن الحساسية مفرطة في البعد الطائفي، بل كان الموقف جمالي يخضع لأساسيات منطقية لابتعادها عن التجريد الغربي وقربها من ذاكرة المتلقي، بالإضافة لكونها فعلا حساسا للشعور الجمعي، فكان محور الفن هو التجريب والالتزام الاجتماعي وتأكيد هوية فكرية للبلد. وتوجه الفنانون بمعايير وأسس لم نزل نتلمسها كلما اعدنا الوقوف أمام رؤاهم وأعمالهم الفنية، وما تعبر عنه من هواجس.
بدت العودة لاستلهام التراث الشعبي والفلكلوري فنيا حلا يلقي بالإنجاز الجمالي بما يفسر تحولات بنائية على صعيد الشكل الفني واشتراطات نفسية وثقافية تلازم الفنانين. ولعل حكايات ألف ليلة وليلة وقضية عاشوراء وعنتر بن شداد وغيرها من الحكايات والإرث العريق للعربي والعراقي معا مثلت مفاضلة في الانجاز، لأنها تسهم في بث ما يعيشه المرء من توثيق ليوميات بيئته. وهكذا تفتحت مخيلة الفنان العراقي ليبقي طاقته تتحدث بروح الرسم والتأكيد على أدق تفاصيل الحكايات الشعبية، فالموروث يلاحق وجدان الفنان والاعتزاز به سمة وجود لا رجعة منها.
ويمكن لنا القول إن ثقافة الفنانين هي من تحدد الأساليب ووضع لمسات الأشكال مع التبرير لوجود فن يدعونا للعودة لاستلهام الحكايات والافصاح عن مضمونها عبر طرائق الرسم.