بغداد: غيداء البياتي
يحرص أبو علي العبيدي(51)عاماً على أن يكون لديه صندوقه الأسود الذي لا يصل إليه أحد إطلاقاً، فهو يؤكد أن تكون لكل إنسان خصوصيته، معتقداً أن هذا الأسلوب في الحياة يجنب الأشخاص الأذى بكل أشكاله، لا سيما الأذى النفسي على ما قال، ويضيف: {أحاول منذ الصغر أن تكون لديّ حياتي الخاصة وأسرار تعنيني وحدي فقط، أحتفظ بها لنفسي، كأن تكون تجربة قديمة مررت بها فشلت أو نجحت أو عملاً خاصاً لم ينجز بعد، وأكثر الأشياء التي لا أرغب في التحدث عنها التي أنوي القيام بها مثل شراء سيارة أو قطعة أرض أو أي شيء آخر، وأعتقد أنه حق مشروع لكل إنسان أن تكون لديه خصوصية».
العبيدي عزا كتمانه لكل تفاصيل حياته عن المحيطين به سواء أقارب أو أصدقاء إلا أنه يخشى عين الحاسدين وحقد الحاقدين من أصحاب النفوس الضعيفة، الذين يتمنون زوال النعمة من غيرهم، وأنه يتجنب المشكلات».
التدخل بدافع الاهتمام
أما الموظفة في وزارة الصحة نبال إبراهيم «37» عاماً فأكدت :»أن من حق كل شخص أن يحمي نفسه من تطفل وتدخل الآخرين، فخصوصية الإنسان هي ملك له فقط ولا يحق للغير التدخل بها وإن كان التدخل بدافع الاهتمام أو المحبة وكسر الحواجز، واليوم نحن نشهد منشورات لعشرات الأشخاص على مواقعهم الالكترونية خاصة الفيس بوك والانستغرام، يكشفون عن حياتهم الأسرية وتوجهاتهم وأسرار منازلهم، وهذا خطأ كبير فهم بذلك يكونون أشبه بالعراة أمام الناس ما يجلب لهم ولأسرهم المشكلات، لأننا نتعامل مع شخصيات مختلفة داخل مجتمعنا فيجب علينا توخي الحذر وإبعاد الأذى عن أنفسنا وأسرنا وجعل حياتنا ومنازلنا مغلقة بين أفراد الأسرة الواحدة».
الخصوصية في التعامل مع الآخرين قد تبني حاجزاً كبيراً وقد تهدم جسور التواصل والمحبة، لا سيما بين الأصدقاء والأقارب هذا ما قالته الطالبة الجامعية ميس علي مؤكدة أنها تتعامل مع زميلاتها وأقاربها بعفوية وصدق من دون حذر اعتقاداً منها أنها تكسب أكبر عدد من الأصحاب والمحبين وهذا ما جعلها عرضة لانتقاد أفراد أسرتها، لكنها ترى نفسها محبوبة ومقبولة لكل الناس من حولها».
لرجال الدين رأي في خصوصية الانسان والحفاظ على أسرار أسرته وحياته فقد قال الشيخ في جامع النعمان خليفة عيسى لـ»اسرة ومجتمع»:»كم من إظهار سر أراق دم صاحبه ومنعه من بلوغ مآربه، ولو كتمه أمن سطوته» وهذا يعني أن يخفي المرء بعض الأمور الدنيوية عن أقربائه أو أصحابه ليكون بأمان وعلى الانسان أن يبقى قوياً يعرف ما يقول وما يخفي، فالذي يحصن سره يظفر باثنين حاجته والسلامة من السطوات، وإن في الكتمان قضاء للحوائج وانجاحا للمقاصد كما قال رسول الله «ص»، «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود»، أما عن خصوصيات الفرد الواحد بالعلاقات الاجتماعية فالقرب الزائد يخلق التوتر في بعض العلاقات لذلك يجب الموازنة لتبقى العلاقات الاجتماعية صحية خالية من التدخلات العبثية».
الرأي النفسي والاجتماعي
رئيس جمعية الأطباء النفسيين العراقيين واستشاري الطب النفسي د. حيدر المالكي قال:»مهم جداً أن تكون لكل إنسان خصوصيته ليحافظ على كيانه ووضعه الاجتماعي وسمعته، فليس من الضروري أن يطلع من حوله على مواقف كان قد تعرض لها سواء في مرحلة المراهقة أو الدراسة الجامعية أو حتى السفر وغيرها، ويجب أن تكون هنالك خصوصية فلكل إنسان الحق بأن لا يتكلم عن حياته الخاصة أمام الجميع، وأقصد هنا كل الأشخاص المهمين وغير المهمين في الحياة وحتى الأسرة فهنالك أشياء تحدث للمرء في العمل أو الشارع وهي غير مهمة، لكنها قد تكون محرجة أو مقلقة للأسرة وقد تربك الأولاد فيجب عدم البوح بها وهذه هي الخصوصية». مبيناً :»في الواقع لا يمكن للانسان الطبيعي العيش بمعزل عن الناس فلا بد من وجود شخص كأن يكون صديقاً أو قريباً يمتاز بحسن الأخلاق ويحفظ السر، ممكن ائتمانه على الخصوصية، فقد يحتاج المرء لشخص يفضفض معه ويستشيره في بعض الأمور، وغالباً ما يكون هذا الفرد محباً ومؤتمناً لكل ما يطرح له، وحتماً أن لكل شخص أسراراً وقصصاً تعنيه لوحده ولا علاقه للغير بها، فالخصوصية هي ليست نقيضاً للصراحة، لكنها حماية من الوصول غير المرغوب به لبعض الأمور الخاصة وهذا طبعاً لا يتعارض مع أن تكون لنا علاقات مريحة مع الآخر».
وأكد د. حيدر المالكي أهمية اختيار الصديق حيث يجب أن يناسب وضع الشخص الاجتماعي وعمره وشخصيته وطبيعة تفكيره وضروري جداً ألا يكون الإنسان كتاباً مفتوحاً يقرأه جميع الناس».