سعاد البياتي
تبقى واقعة الطف واستشهاد الحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) حية في الضمائر والقلوب طالما نحيي كل عام الفاجعة بتفاصيلها المؤلمة، فكل الأحداث تعد أكبر وأعظم معركة بين الحق والباطل وبين الظلم والعدالة، نتفاعل ونبكي ونستذكر كل الحوادث دون أن نراها بالعين لكننا وعلى مدى الأجيال ندرك تفاصيلها ونحزن على كل ماجرى، هي الدموع التي تذرف منذ آلاف السنين على أبي عبد الله (عليه السلام) وفظاعة الواقعة ووحشية الأعداء، رغم فارق الزمن بيننا وبينها.
وعند ذلك اليوم تقف كل الأشياء صامتة وخاشعة، فيوم العاشر وحتى الأربعين منه هي أيام عزاء وحزن، تتوقف فيها كل الفعاليات اليومية التي اعتدنا عليها، فمصيبة سيد الشهداء لا تماثلها أي حادثة في عالمنا الماضي والحاضر، وقد جسدها العالم بأسره في فعالياته وشعائره التي طافت المدن والشوارع وكانت بالفعل رمزاً للقيم والمبادئ الاسلامية، فقضية الطف ومارافقها من مآسٍ ألهمت الشعوب معادلة كبرى وقيمة عليا وسامية معادلة الحق والباطل، وثنائية الانتصار والخذلان، لذا ظلت عقيدتها وحكايتها الأليمة راسخة في تواتر الزمن وفي أذهان الإنسانية، وفي قصائد الشعراء وقلم الكاتب وريشة الرسام، وفي كتب السير والأحداث، وفي نفوس الكبار والصغار التي ظلت شموعها متقدة حتى أربعينية أبي الأحرار التي لا وصف لها، لما لها من قصص هائلة عن عظمة العطاء والايثار والكرم العراقي الذي احتارت بها العقول، وأيقنتها البشرية أن للحسين مكانة عظيمة والبذل لأجله يدخل في باب البركة والوفاء والعرفان.
وكل مشاهدها تدل على وعي الأمة الإسلامية لما حملته ثورة الإمام الحسين عليه السلام من دلالات ووعي الشعوب وامتداد للإعلام الزينبي الأبرز في ذلك الحين، وتكمن أهمية زيارة الأربعين في خروج المحبين والعاشقين لمسيرتها الخالدة في وقت محدد لأدائها، وهذا يجعلها تلتقي في مكان واحد و تحت شعار حب الحسين يجمعنا، بحيث تجسد لوحة إنسانية كبيرة ترفع بها كل الألقاب والمسميات الدنيوية وخالية من الفروقات الاجتماعية، وواحة رحبة لعشاق الشهادة، وكبرياء الرسالة المحمدية التي انعشتها رسالة الطف وتضحية سيد الشهداء(عليه السلام)، متنقلة بجوهرها عبر الأجيال في مواجهة الطغاة، وإنها الثورة الحقيقية بكل معانيها وأهدافها السامية ومنجزها العالق في أذهان المجتمع والذي يأبى إلا أن يكون شعاراً نحتذي به ونعمل بحجم تضحياته التي أغرقتنا حباً وكرامة لا مثيل له في الحياة بأكملها.