وجدان عبدالعزيز
حينما طالعنا كتاب (اصل المعنى.. وتوطين الهوية) للدكتور جواد الزيدي، وجدنا من الاجدر بنا البحث عن اصول الكلمة، كون الاصول هوعلم يبحث عن العلاقات التي تربط كلمة بوحدة قديمة جدا تُعد هي الأصل. بالمعنى القديم، هي البحث عن المعنى الأصلي والأولي للكلمة، وهي عملية لسانية تعتمد المقارنة بين الصيغ والدلالات لتمييز الأصول والفروع، ومن ناحية أخرى عملية تاريخية حضارية، لأنها تستعين بدراسة المجتمعات والمؤسسات وسائر العلوم والفنون للبتّ في القضايا اللّسانياتية، بالإضافة إلى مقارنة الألسن لمعرفة أنسابها وأنماطها، بينما الدكتور الزيدي أضاف، حيث درس ترسيخ (ملامح التشكيل العربي من خلال تكريس مفاهيم محلية (شرقية وعربية) قائمة على توظيف المنظومات الثقافية في العمل الفني والحفر في مدونات التراث العربي بكامل محمولاته واستثمارها من اجل ايجاد نسق مغاير في الفن يبتعد عما تعلمه فناننا العربي في بلدان دراسته)، لاجل تأصيل المرجعيات الثقافية والتراثية لهذا الفنان..بمعنى ان التأصيل استمرارية المعرفة وعبورها من عصر الى اخر، باعتبار ان المعرفة تتغذى على جذور تاريخية وتنمو، لذا يضيف الدكتور جواد الزيدي: (وهكذا فان ابستيم القرن العشرين يتبع ابستيم القرن التاسع عشر ومن قبله العصر الكلاسيكي، وقد ميزت مجموعة من الممارسات الخطابية، هذا الفضاء الابستيمولوجي السابق، كونها تعتمد على محددات الارث الفرعوني والرافديني، والجذور العليا في الثقافة العربية وماتلاها من ارث ثقافي كنعاني وآرامي وجزري، وتتضمن هذه الممارسات تصنيفات الجنس البشري، وتحليل الثروة وقواعد اللغة الطبيعية، بحيث ان كل واحد منها يظهر ابستيم(العصر الكلاسيكي)، وهذا الابستيم هو التمثيل”Representation” ومفهوم التمثيل يعني انعكاس المفاهيم امام العقل والتسليم بها وتشكيل الاطار للطريقة الكلاسيكية المتميزة في التفكير، والعلاقة بين الابستيمين (العشريني والكلاسيكي)، هي علاقة اقل دلالة من العلاقة القائمة بين الممارسات المتنوعة في كل لحظة من لحظات هاتين الحقيقتين.)، وهنا الباحث بقي في حلقات تأصيل المعنى وتبيان جذوره الثقافية عبر مديات التاريخ..اذن الاصول متموضعة في التاريخ، وتعزز ما له صلة بما كان قد حدث قبل زمنها (اي زمن الاصول)، ولذا كان رأي هيدجر يصب في ان الفنان هو اصل العمل الفني، بيد ان العمل الفني ايضا له اصول ترتبط بالجذور الثقافية والحضارية، لذلك المجتمع صعودا للعصر الحديث، وكما هي امثلة الباحث الدكتور، حيث ظهور جماعة بغداد للفن الحديث 1951م وجماعة الحروفيين العرب، وجماعة 65 في المغرب وجماعة الدار البيضاء، وجماعة اوشام في الجزائر وغيرها من الجماعات، التي اسهمت في صياغة هوية لفن عربي، كفصل اول.
استمر الباحث في الفصل الثاني يحاول تأصيل التراث من خلال الحروفية العربية، حيث بدت اللوحة الحروفية العربية له، وكأنها نقطة انطلاق محيط الدائرة من خلال تجليات الفن الاسلامي المجرد، الذي سبق النسق الحروفي الاروبي بـ(6) قرون، أو أكثر، وتجلت في اعمال جميل حمودي ومديحة عمر، والاخيرة تُعد الرائدة من خلال معرضيها في باريس عامي (1949،1950 )، ويقول الباحث: (ونظرا للمرجعيات الفكرية والجمالية المتعددة لكل من الحروفيين، تعددت مسارات اشتغالاتهم ومسارب بحثهم الاصولي والكيفيات التي تم استقدام الحرف فيها للوحة المرسومة، بخلاف الخطاطين الذين مارسوا ادخال الرسموية الى اللوحة الخطية، ايمنا منهم بتفوق اجناسية الرسم).
في الفصل الثالث اعتبر النحت العربي علامة مهمة في توطين الهوية الفنية العربية، باعتبار (اجناسية النحت من اكثر الاجناس الفنية التصاقاً بالذاكرة العربية من خلال منجز حضارتين أوليتين في التاريخ الانساني)، وهكذا كرس الباحث الدكتور جواد الزيدي بحثه في ان التجربة التشكيلية العربية المعاصرة، قد انبثقت من احضان التراث العربي، سواء كان فرعوني، أوعراقي قديم، اواسلامي، لتنهل من اصوله وحسب توجهاتها الأسلوبية، ومن ثم يؤكد ان التأصيل اشكالية فكرية مركبة، فلابد من هضم التراث الشرقي بكامل محمولاته، كي يكون الانطلاق بمرموزاته الى حيز المعاصرة وفضائها المفتوح على جميع
الخيارات.