السطوة الثقافية

ثقافة 2019/06/17
...

حسين رشيد
تعمل الجماعات الثقافية السلطوية على ديمومة الاحتكار وقنص فرص نيل الامتيازات بمهارة ودهاء ان كانت هذه جماعات حزبية مرتبطة بنظام الحكم والحزب المتنفذ او حزبية متحالفة مؤتلفة مع احزاب اخرى، اوكسطلة نقابية متولدة من سلطة الحزب الحاكم عبر وضع شخصيات موالية لها ضمن تلك الجماعات لتظهر بمظهر مغاير لما تعمله وتقدمه من خدمات لتلك
 الجهة.
حتى وقت قريب بقي المثقفون التقليديون نخبة قائمة وقائدة للتواصل بين المجتمع والدولة، عبر مجمل المجالات والاختصاصات التي يشغلها هولاء المثقفون، اضافة الى مكانتهم الاعتبارية ان كان في المجتمع او في الدولة التي تؤمن بالمثقف كقيمة وطنية عليا واداة تواصل وتصحيح لمسارها والمجتمع ومثل هكذا علاقة ونتاج يأتي ضمن سياقات طبيعية في منظومة حكم تمارس سلطتها وفق قوانين الديمقراطية ومرتكزات دستورها الذي يؤمن ويكفل حق كل فرد ومواطن ومكون 
وشريحة.
لكن بغياب او تلاشي شريحة هولاء المثقفين كما في العراق بسبب جملة متغيرات منها ما ارساها النظام العالمي الجديد وفق مقاسات الشركات الكبرى والقوى المتحالفة معها والعاملة وفق اجنداتها المالية فضلا عن جملة المتغيرات السياسية التي تسببت بمتغيرات مجتمعية وثقافية واخلاقية قيمية، لم يتبق من شريحة المثقفين التقليدين الا القليل الذي اخذ يمارس دور المثقف النقدي.
حل بدلا عن المثقفين التقليدين “مثقفين” من نوع اخر يعتاشون ويتعايشون مع طبيعة وشكل المرحلة ونظام الحكم والتوازنات التي تضعها القوى المشاركة والمؤتلفة بهذا النظام الحاكم، بل ان جزءا كبيرا من مثقفي اي سلطة سابقة تجدهم سرعان ما يتوافدن على منابر السلطات البديلة التي حتما سبق وان وضعت بحساباتها السطوة والسلطة الثقافية وكيفية الاستفادة من مخلفات النظام المطاح به ان كان عبر الاشخاص او
 الممارسات.
وهنا يأتي دور الخبرة السلطوية اذ كانت المكتسبة من التعايش مع المرحلة السابقة او التي اكتسبت عبر المرحلة الجديدة والتبني الحزبي لشخص معين او مجموعة من الاشخاص، ثم تبدأ(السطوة الثقافية)  البحث عن المكاسب والامتيازات التي تعد بمثابة مغانم عند بعضهم وحقوقاً مفقودة تمت استعادتها عند البعض الاخر، فيما تبقى فئة قليلة من مثقفي المرحلة تعمل وفق رؤية مغايرة لكنها لن تجد ما يشجع للاستمرار فمنهم من ينسحب بهدوء واخر ينغمس مع الوضع القائم الذي اوجد من قبل تلك المجموعة التي توزع تلك الامتيازات حسب الولاء والتبعية وهي فرصة ملائمة لمعاودة لعبة التلون الثقافي
 الانتمائي التبعي.
كل ذلك وغيره من اسباب ومسببات ولدت “المثقف” المتحزب، الحزبي، النقابي، الديني، الطائفي، المناطقي، بل حتى العشائري ، مقابل المثقف النقدي المتحرر من كل تلك الانتماءات والذي يبحث عن لحظة اصلاح في زمن طويل من الاخطاء والخطيئة تحت هيمنة السلطة والسطوة “الثقافية” المتبناة او المنتمية او المؤتلفة التي توهم الاخرين بالنجاح والعمل في مناطق ليست ضمن اولويات العمل الثقافي.