سوق العمل والعمالة الأجنبيَّة

اقتصادية 2024/08/07
...

محمد شريف أبو ميسم

ينبغي دراسة سوق العمل في العراق بوصفه بلداً ريعياً، ما زال يعيش في مرحلة التكيف الاقتصادي ويعاني اختلالات هيكلية وتحولات جوهرية في البنية الاقتصادية

كلّما راقت لبعض وسائل الإعلام مادّة إعلاميَّة تذكّر بسوق العمل المتخمة بأعداد العاطلين، استمعنا لأرقام وآراء تذهب شرقاً وغرباً في هذا الملفّ، بوصفه موضوعاً مثيراً للجدل ومثار استقطاب لأحاديث الناس مع تزايد التزاحم على فرص العمل وتكرار ما تتحدث عنه وسائل الإعلام بشأن وجود نحو 900 ألف عامل أجنبي لم يحصلوا على تصاريح من وزارة العمل، في وقت تتسع فيه بيئة العمل القطاعية والحلقات الساندة لها وتتزايد أعداد المشاريع التي تطلب المزيد من الأيدي العاملة بجانب مشاريع القطاع الخاص والمشاريع الصغيرة الداعمة لحركة السوق، ولكنها لا تضاهي ولا تستطيع استيعاب الأعداد الهائلة من خريجي الجامعات سنوياً بجانب الأيدي العاملة غير الماهرة العاطلة عن العمل.
من خلال هذه الملامح ينبغي دراسة سوق العمل في العراق بوصفه بلداً ريعياً، ما زال يعيش في مرحلة التكيّف الاقتصادي ويعاني اختلالات هيكلية وتحولات جوهرية في البنية الاقتصادية، إذ إنَّ ارتفاع الأسعار وكلف المعيشة تنسحب بالضرورة على أجور العمل التي تعد مرتفعة نسبياً بالقياس لمعدلات الأجور في البلدان المجاورة وبعض البلدان التي تعاني مشكلات اقتصادية بنيوية، ما يجعل بيئة العمل جاذبة للأيدي العاملة الماهرة وغير الماهرة بشكل رسمي، فما بالك إن كان البعض منها وافداً دون إقامة أو رخصة عمل، إذ يلجأ هؤلاء للعمل بأجور بسيطة مقابل الحصول على الطعام والسكن، في وقت تخلو بعض المهن اليدوية والحرفية من الأيدي العاملة في المهن الساندة والقطاعات الإنشائية والخدمية، جراء عزوف العامل العراقي الذي يواجه سوقاً استهلاكية مرتفعة الأسعار، بحثاً عن فرصة عمل ذات أجور مرتفعة أو مناسبة على أقل تقدير، ما يجعل قوى العمل الوافدة من هذه البلدان في محل قوى العمل المحلية، الأمر الذي يزيد من تمسّك أرباب العمل بالعمالة الوافدة غير المرخصة ويزيد من حجم الكتلة النقدية التي تتدفق يومياً إلى الخارج بجانب الكتلة النقدية التي تموّل التجارة الخارجية مع زيادة معدلات الاستهلاك وعجز القطاعات الحقيقية عن سد حاجة السوق المحلية من تلك السلع.
وعلى هذا الأساس يصعب معالجة ملف العمالة الوافدة بمعزل عن تنظيم سوق العمل، ويصعب تنظيم سوق العمل دون معالجات جوهرية للاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الكلي بما يضمن تطبيق القوانين الاقتصادية التي تم تشريعها خلال السنوات الماضية، وفي مقدمتها قانون العمل وقانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال وقانون المنافسة ومنع الاحتكار وقانون حماية المنتج المحلي والقوانين ذات الصلة ببيئة العمل وحماية المستهلك، إذ يسهل اختراق سوق العمل بالعمالة الأجنبية غير المرخصة دون تنظيم لعلاقات
السوق.