تراجع أسعار البترول قد يُربك حسابات الموازنة

اقتصادية 2024/08/08
...

 بغداد: حيدر فليح الربيعي 

 شكران الفتلاوي

أبدى مختصّون في الشأن الاقتصادي، خشيتهم من استمرار تراجع أسعار البترول في الأسواق العالميَّة، مؤكدين أنَّ انخفاض أسعار النفط دون الحدود التي بُنيت عليها موازنة العام الحالي والبالغة 80 دولاراً للبرميل الواحد، يمكن أن يتسبَّب بحصول فجوة مالية قد تؤدي إلى تقليل الإنفاق الحكومي على المشاريع الحيوية أو اللجوء إلى الاقتراض، مشددين على ضرورة إيجاد تدابير احترازية صارمة في ظلِّ التوترات التي يمكن أن تسهم بمزيد من التراجعات في أسعار «الذهب الأسود».

وبُنيت موازنة العام الحالي وفقاً لسعر يبلغ 80 دولاراً لبرميل النفط، وهو المؤشر الذي دعا العديد من خبراء الاقتصاد إلى التحوط منه نتيجة لتراجع أسعار البترول في الأيام الماضية لحدود 75 دولاراً، مؤكدين أنَّ ذلك الأمر يمكن أن يفاقم مستويات العجز في الموازنة، ويُربك الحسابات الاقتصادية الأخرى.

وسط ذلك، يرى المستشار المالي لرئيس الوزراء، الدكتور مظهر محمد صالح، أنَّ الأوساط الاقتصادية في العالم فوجئت بتقلبات وانخفاضات حادة في سوق الأسهم الأميركية وسط موجة هلع من مخاوف بشأن الركود المحتمل في أكبر اقتصاد في العالم وأنَّ «هذه الانخفاضات بُنيت على اجتماع عوامل اقتصادية محلية وعالمية أدت إلى ضعف ثقة المستثمرين بأداء الاقتصاد الأميركي، وإذا ما استمرت الحال لستة أشهر متواصلة فإنَّ حالة الركود ستتحوّل إلى حالة كساد كبرى ستضرب اقتصادات العالم كافة».

وأشار صالح إلى أنه «سبق أن أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأميركية أنها تتوقع أن يبلغ متوسط الأسعار بنحو 89 دولاراً للبرميل الواحد ولبقية عام 2024، إلا أنَّ ثمة انخفاضاً تدريجياً في أسعار النفط العالمية، أخذ يتزامن مع هبوط قيمة الأصول المالية في الأسواق الأميركية ولاسيما هبوط نفط الإشارة (خام برنت) الذي يتراوح بنحو 76 دولاراً للبرميل للعقود الآجلة بعد أن بلغ قرابة 88 دولاراً للبرميل الواحد في شهر حزيران الماضي، وهو الأمر الذي يقتضي المزيد من الحذر والتحسّب الاقتصادي».

وتأييداً لتحذيرات المستشار الحكومي، يرى الخبير الاقتصادي، الدكتور نوار السعدي، خلال حديثه لـ»الصباح» أنَّ «اعتماد سعر 80 دولاراً للبرميل في الموازنة يمثل مخاطرة كبيرة، لاسيما في ظلِّ التطورات الأخيرة التي شهدتها الأسواق العالمية، إذ تسببت الانهيارات التي ضربت البورصات العالمية في انخفاض سعر خام برنت إلى 76 دولاراً للبرميل، وهو ما يثير القلق بشأن مدى واقعية التقديرات المعتمدة في الموازنة العراقية».

وأوضح الخبير السعدي أنَّ «الأسواق المالية العالمية، لاسيما سوق النفط، تتعرض لتقلبات شديدة بسبب العديد من العوامل، مثل التوترات الجيوسياسية، والقرارات المتعلقة بسياسات الإنتاج من قبل الدول المنتجة، وكذلك تحولات الاقتصاد العالمي مثل التباطؤ في النمو أو الأزمات المالية، وهذا الوضع يجعل من الصعب جداً التنبؤ بدقة بسعر النفط على المدى الطويل، مما يعني أنَّ تحديد سعر 80 دولاراً في الموازنة قد يكون متفائلاً بشكل مفرط».

وفي ظلِّ هذه المعطيات، يبيّن السعدي «وجود مخاوف حقيقية من أن يؤدي استمرار انخفاض سعر النفط إلى أقل من المستوى المحدد في الموازنة إلى خلق فجوة مالية كبيرة، يمكن أن تدفع الحكومة إلى اتخاذ تدابير استثنائية لسدّ العجز، مثل تقليل الإنفاق على المشاريع الحيوية أو اللجوء إلى الاقتراض، وهو ما قد يضيف أعباء مالية على الاقتصاد العراقي ويزيد من التحديات الاقتصادية في المستقبل».

كما يبين المتحدث أنَّ «استمرار انخفاض أسعار النفط يمكن أن يؤثر بشكل مباشر في القدرة على تمويل الخدمات الأساسية والبنية التحتية، مما قد يؤدي إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، وهذا الوضع قد يتفاقم في حال عدم اتخاذ الحكومة خطوات سريعة لتعزيز مصادر الإيرادات غير النفطية، وتنويع الاقتصاد العراقي لتقليل الاعتماد على النفط».

ولم يبتعد كثيراً الخبير الاقتصادي، الدكتور نبيل المرسومي، عن الرأي السابق، حينما أوضح لـ»الصباح» أنَّ «المؤشرات الاقتصادية للنصف الثاني من هذا العام وحتى في العام المقبل، تبيّن أنَّ أسعار النفط تتجه نحو الانخفاض، وأنَّ أسواق البترول العالمية اليوم ضعيفة جداً بسبب شبح الركود الاقتصادي المهيمن في الولايات المتحدة والحاصل نتيجة تراجع الأداء الصناعي وانخفاض الطلب على وقود الديزل».

ولفت المرسومي إلى أنه ونتيجة لتلك العوامل العالمية، فإنَّ سعر خام برنت يتراوح في خانة الـ(74- 75- 76) دولاراً، وهذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى تفاقم عجز الموازنة في البلد البالغ نحو 64 تريليون دينار، وبالتالي فإنَّ عجز الموازنة سيزداد، وأنَّ تمويل العجز سوف يكون من الاقتراض الداخلي والخارجي بأكثر من 46 تريليون دينار، وهذا الأمر له تداعيات سلبية على الاقتصاد، مرجّحاً أن تنخفض الإيرادات النفطية في الأشهر الـ6 المقبلة.