هل حان وقت حذف الأصفار؟

اقتصادية 2024/08/18
...

ياسر المتولي 



هناك مبدأ اقتصادي في منهج الاقتصاد الحرّ أو الرأسمالي أو اقتصاد السوق سمِّه ما شئت بمعالجة الخلل أو التشوّه في البنية الاقتصاديَّة بأثر الصدمة.

أي بمعنى تقبّل الآثار الناجمة عن هذا الإجراء مالياً واقتصادياً واجتماعياً على أمل تحسين الواقع الاقتصادي.

ولغرض توضيح هذا المبدأ وتحليل آثاره كوسيلة لإشاعة الثقافة الاقتصادية نتناول موضوعة حذف الأصفار عن العملة بهدف تقليل آثارها في حجم الكتلة النقدية وقيمة النقود. وكلما تشتد وتتعقد حلول تخفيض أسعار صرف الدولار بين السعر الرسمي والموازي تتصاعد الدعوات لضرورة حذف الأصفار للاعتقاد بأنه أحد الحلول.

وهنا إذا اتخذ قرار حذف الأصفار معنى ذلك معالجة الخلل بأثر الصدمة، ولكن علينا ابتداءً عرض أبرز مزايا حذف الأصفار وعيوبه والمقارنة بينهما للتوصّل إلى حل أمثل وقرار صائب، وهذه أفضل وسيلة لإشاعة ثقافة التمييز لدى الجمهور وليس مخاطبة أصحاب الاختصاص لكونهم يدركون الحل الأمثل. من أبرز مزايا حذف الأصفار تقليل حجم الكتلة النقدية وليس قيمتها (ببساطة عدد الأوراق النقدية المستخدمة في التداول) هذه الميزة تنتج عنها سهولة حمل المبالغ النقدية وحمايتها من السرقة أو التلف.

أما العيوب فإنَّ حذف الأصفار سيخلّف مشكلات اجتماعية لا تعد ولا تحصى ونحن في غنى عنها في هذه المرحلة لعدم القدرة على إقناع الجمهور بقبول تناقص حجم الكتلة النقدية مع الإقرار بأنَّ القيمة الحقيقية للنقد لا تتأثر، الموضوع يتعلق بالذهن وحفظ الذاكرة للمبالغ بحجمها الكبير، ثم أنَّ حل التعاقدات والاتفاقات التجارية والشخصية تخلق لنا خلافات وعدم القدرة على التفاهم.

من التحليل أعلاه يتضح أنَّ إجراء حذف الأصفار غير ملائم في الوقت الحاضر. ولكن مع استخدام عمليات الدفع الإلكتروني ستكون البيئة ناضجة ومقبولة في فكرة تطبيق قرار حذف الأصفار، وستكون العملية تلقائية دون أن يشعر بها المواطن. ولكن هل حان الوقت لاستصدار القرار، نرى أنَّ الوقت مبكر وذلك لحداثة ولوج تقنية الدفع الإلكتروني في التعاملات التجارية والسوقية والرسمية والخاصة. ما زالت التجربة قاصرة على استيعاب مثل هذا التحول، وحين تصل نسبة تقبل واستخدام أدوات الدفع الإلكتروني إلى 90 بالمئة من المواطنين عند ذاك يمكن تطبيق قرار حذف الأصفار بسهولة ويسر. حتاج إلى وقت لإشاعة ثقافة الدفع الإلكتروني والمطلوب تكثيف الحملات الإعلامية والإعلانية لتركيزها في ذاكرة المواطن وتقبلها وفي مثل هذه الحالة على الجهات المعنية تقليل الكلف في استخدام الدفع الإلكتروني وفرض رقابة صارمة على التحايل والتلاعب ومن ثم توسع وتنويع شركات الدفع الإلكتروني في عموم البلاد. على المعنيين البداية من مؤسسات الدولة في استخدام الدفع الإلكتروني لجميع التعاملات وعند ذاك ستتسع ثقافة الدفع الإلكتروني.