حازم رعد
قد يواجه الباحث في تاريخ ثورة كربلاء التي قادها الإمام الحسين "ع" ضد سلطة الأمويين كأحد مقررات مشروعه الإصلاحي، إشكالاً مفاده أنَّه لماذا لما يقم الحسين بعمل الثورة في زمن معاوية وانتظر حتى موته وبإعلان ولاية العهد ليزيد أعلن الحسين ثورته عليه ورفضه لحكومته والامتثال لها، ويمكن هنا طرح مجموعة مقاربات تجيب عن هذا الإشكال وتفنده.
الأول: هو أنه لعلَّ الذي كان سبباً في تأخير إعلان الثورة الى ما بعد موت معاوية كان التعهد المكتوب بين الحسن بن علي (ع) ومعاوية الذي يقضي في أنْ ترجع الخلافة الى الحسين بن علي "ع" بعد موت معاوية، تلك الوثيقة التي يروي المؤرخون أنَّ معاوية لم يعترف بها فضلاً عن العمل بمضمونها، بل قام بتمزيقها في دلالة على عدم العمل أو الاعتراف فيها (فالوثيقة تثبت حقاً قانونياً للحسين بالخلافة) فمعلومٌ أنَّ الوثائق والعهود قوانين، ونستشفُّ من ذلك أنَّ للإمام الحسين قانونياً الحق بالمطالبة بإرجاع الخلافة إليه بعد موت معاوية وكان قد أشار الإمام الحسين الى ذلك في إجاباته على الرسائل التي تصله وتطالبه بالقيام فيرد عليهم ويوصيهم بأنْ يبقوا أحلاس بيوتهم وينتظروا موت معاوية وبعد ذلك ينظر
في الأمر.
ولعله وبعد هلاك معاوية قد أشار الإمام الحسين الى هذا الأمر وذلك بقولته للوليد والي معاوية على المدينة بحضور مروان ابن الحكم حين دعاه لأخذ البيعة ليزيد حيث خاطبه الإمام "عليه السلام" بعد رفضٍ وتقريعٍ ليزيد بقوله (ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالبيعة والخلافة) في إشارة الى حق الحسين القانوني والديني في الخلافة بعد موت معاوية بحسب الاتفاق الموقع بين الحسن ومعاوية بوثيقة عهد الصلح أو الهدنة، وكانت الوثيقة ملزمة للحسين (ع) لأنها صادرة وممضاة من إمامٍ معصومٍ وهو أخوه الأكبر الحسن بن علي فإنه التزم بها الى حين إنجاز الشرط وهو موت معاوية.
ثانياً: إنَّ فكرة تولية العهد من قبل معاوية ابن حرب الى ولده يزيد جاءت متأخرة فلم يكن في حسبان معاوية ذلك الأمر، وإنما انبلجت الفكرة في رأسه لمشورة قدمها إليه المغيرة بن شعبة الذي كان يطلب الزلفى من "السلطة" والتي كانت متمثلة بمعاوية حتى يبقيه والياً على الكوفة حينها.
وأيضاً كان المغيرة من كوادر القوة الناعمة التي تعمل لصالح الحزب الأموي في الوضعيَّة الإسلاميَّة آنذاك وكان أبو لؤلؤة الفيروزي قاتل الخليفة الأول شاهداً آخر على ذلك فتقريبه وجعله غلاماً له وإدخاله الى المدينة رغم طرده من الخليفة دلالة واضحة على أنه كان يحيك المؤامرات ضد الخلافة الإسلامية الراشدة، وكذلك إنَّ حادثة مقتل الخليفة الثاني مؤامرة أموية محضة وتم اختيار شخصٍ فارسي لتبعد أنظار الاشتراك في الجريمة عن الأمويين على اعتبار أنَّ هناك ربطاً بين القاتل الفارسي والخليفة الثاني فاتح فارس.
وعوداً على بدء فإنَّ ملخص الأمر أنَّ موضوعة الثورة على معاوية كانت مرتبطة بالعهد والوثيقة الموقعة بين الحسن بن أبي طالب ومعاوية.
أما ثالثاً: فإنه يمكن ضم عدة اعتبارات أخرى كمبررات الى سابقتها من قبيل أنَّ الوضعيّة الإسلامية كانت لا تتحمل مزيداً من الصراعات بين جبهة آل النبي من جهة وجبهة الشام من جهة ثانية، إذ الصراع بينهما أخذ يطول ويشتد وعلى إثره حصلت تشققات كبيرة في الجسد الإسلامي، وطبيعة الإمام الحسين كانت تميل دائماً مع المصالح العامة، فأكيدٌ سيؤجل الثورة على معاوية الى وقتٍ آخر قرب أو بعد ريثما تتهيأ الظروف المناسبة، كما أنَّ معاوية لم يكن متجاهراً بالفسق والفجور بل كان يتظاهر بالدين وإقامة الطقوس ويراعي الأدبيات الإسلامية وذلك حائل أمام مجتمع لا يميز بين الناقة والجمل ويتعبد بالظواهر كمبررٍ للقيام ضده بينما الوضع مختلف مع يزيد حيث كان متجاهراً بفسقه وظاهراً بتحلله من التعاليم الإسلامية والأحكام الشرعية بل كان يتعمد مخالفتها وهذا ما بدا واضحاً في خطاب الحسين عليه السلام حيث أعلنها صراحة بأنَّ يزيد (رجل فاسف فاجر. ومثلي لا يبايع مثله) ويمكن أنْ يقتبس هذا الخطاب كدلالة على صحة الأطروحة التي قدمناها لتأجيل الحرب ريثما يموت معاوية.
وأيضاً من القرائن على عدم خشية الحسين من معاوية أو خوفه منه هو الأحداث التي جرت بينهما، إذ إنَّه عندما اجتمع معاوية بوجهاء المدينة المنورة عند قدومه إليها ليأخذ منهم البيعة ليزيد لم ينبر رافضاً بشكل صريح إلا الإمام الحسين وله (ع) في ذلك خطابٌ يقرع فيه معاوية ويزدريه ويندد بسياسته ويرفض طلبه بتوليه يزيد ولاية العهد، كما جوى مثل ذلك في رسالة ردَّ فيها الإمام الحسين على مكتوبٍ جاءه من معاوية مستنكراً في اجتماع الناس حول الحسين وكان معاوية يخشى من الحسين التخطيط أو القيام بشيء يتخوف منه معاوية فكان رد الإمام الحسين حاسماً يسرد فيه مثالب معاوية ومساوءه
وموبقاته.
إذن نفهم من ذلك أنّض الأمر كان خاضعاً لتخطيطٍ حسيني مسبق قد قرر فيه نوعية الخطاب والرؤية المطروحة والوضعية القانونية المنتجة للشرعية وما الى ذلك من مقاربات أخرى.
ويمكن أنْ ينضمَّ سببٌ آخر الى مجموعة العوامل التي أخرت إعلان ثورة الإمام الحسين حتى موت معاوية هو أنه أراد أنْ يتركه يمارس نوع ونمط السلطة الذي يعتقد به وهو ما عانى منه المسلمون من تنكيلٍ وقمعٍ وفسادٍ وانحرافٍ حتى يشهدوا بأم أعينهم فساد وانحراف هذه الحكومة ليكون المسلمون أنفسهم شهوداً عليها ويقطع دابر كل الأعذار التي يمكن أنْ تقال لتبرير عدم القيام ضد حكومة الأمويين.