نظام التربية في المجتمع الذكوري

آراء 2024/09/02
...

 حسن الكعبي

تعتدُّ الأسرة نظاما اجتماعيا مصغرا للكيان الاجتماعي، ومن هذا المنطلق فهي مؤثرة في المسار التربوي وفي صياغة الوعي الأسري، وبالأخص وعي الطفل والذي سيكون له الأثر الفاعل في السياق الاجتماعي في حال أن المهاد التربوي له كان ناجحا ومتتبعا لاستراتيجيات تربوية ومعرفية فاعلة، وبخلاف ذلك، أي باتباع استراتيجيات خاطئة، فان ذلك سينتج وعيا زائفا ومنحرفا عن المسار الصحيح.
إن الأسرة العربية بشكل عام تفرض في تربيتها طابعا صارما، يتبع نظام العقاب في التربية، وهو طابع مستمد من تصورات الهيمنة الشمولية وفرض احكامها ومصادرتها للرأي وحريته، لكن من خلال الهيمنة الفردية المتمثلة بالأب أو الأم، ومن خلال ذلك تنحو الأسرة منحى سلطويا قامعا، وهو الامر الغالب في الأسر العربية المحكومة بهذه البنية الأبوية، التي تغيّب صوت الأسرة بشكل كامل، ليعلو صوت واحد فقط، هو صوت الاب بصورته القامعة، التي تدير الظهر لأي صوت آخر في نطاق الأسرة.
إنَّ الهيمنة الأبوية داخل الأسرة، سواء تمثلت بالأب أو الأم، فإنها تعمل على خلق نظام مغلق لا يعترف بالتعددية، أو وجود رأي مغاير، والى هذا المعنى يشير المفكر العربي د. محمد عابد الجابري إلى  «أن ازمة الديمقراطية في المجتمعات العربية تبدأ داخل الاسرة، ومن اللحظة التي يتم فيها منع الطفل من البكاء، وصولا إلى فرض التابوات عليه من خلال المقولات التكميميَّة»، كما يذهب الدكتور هشام شرابي إلى  أن «الأزمة الحضارية العربية، هي نتاج محاولة الهيمنة الأبوية التي صنعت نماذج مطابقة لها في الفهم والتفكير».
في هذا السياق تفيد الدروس النفسية في أن أزمة الفعل الابداعي والعبقرية، وتبني القيم العليا والاعتراف بالآخر المختلف في الأنظمة العربية، يرجع إلى التوجيه الأسري الخاطئ، من خلال قمع رغبات الطفولة والمواهب التي تفهم من قبل الأسرة على أنها نوع من المحرمات، فالكذب عند الاطفال مثلا والذي يأخذ شكلا تخيليا، والذي تعاقب الأسرة عليه الأطفال بشدة، فإنه يمكن استثماره في تطوير الملكات السردية لدى الطفل، بمعنى أنه وبالرغم من أن الكذب فعل ذميم يجب إبعاد الأطفال، عنه لكن من خلال تحويله إلى فعل ابداعي بتخليصه من الشوائب عبر طرائق تربوية ناجحة، دون اللجوء إلى ردَّات الفعل العنيفة في قمع الطفل، وردعه عن الكذب ردعا قد يصل حد الضرب، إذ بالإمكان مقابلة الكذب بسرد مضاد، يجعل الطفل يفرق بين الواقعي والمتخيل، فالرسوم المتحركة هي مادة غير واقعية، أي مادة متخيلة، لكنها تسهم بتشكيل رؤية الطفل للواقع، بمعنى أنها تتضمن من خلال متخيلاتها رؤى واقعية، من خلال محمولات رمزية، وبالتالي فلا يمكن أن تندرج ضمن الكذب الضار اجتماعيا، وبالتالي فإن الكذب عند الطفل يمكن أن يكون رسالة تسعى إلى أن تؤدي مضمونا واقعيا، يمكن تأويله وفهمه وتوجيهه توجيها فاعلا في المجالات الإبداعية.
يتطلب ذلك بناء الأسرة بناء صحيحا، تحتل فيه المرأة موقعا مهما، من خلال تفعيل حقوقها داخل المجتمع، لكن يحب أن تنطلق هذه الحقوق من ارضيتها التاريخية، ودون أن تجنح ذلك الجنوح المتطرف في تمثيلات الثقافة الغربية، مجسدا بمفهوم النسوية المترشح عنه، ثنائية مركزية المرأة وإقصاء الرجل، الـ «السوبر ويمن مقابل السوبرمان»، أو في سياق التمثل العربي لمفهوم الحقوقيات، الذي شهد نحوا من التطرف والمغالاة في إطار الدعوة للمساواة، والتي تضمر نسقا لا يتلاءم مع المعلن، بمعنى أن الدعوة للمساواة، وهي مقبولة في الظاهر تحمل نسقا مضمرا، يشير إلى الإلغاء، أي إلى إلغاء الرجل بوصفه سلطة بطريركية أو سلطة فحولية بتعبير- الغذامي- الذي وفي اطار استلهامه لنظريات النقد الثقافي المعني بالمهمل والمسكوت عنه، والذي تندرج في سياقه المرأة في تمثلات الغذامي النظرية، التي عبر عنها في سياق مشروعه النقدي، الذي اتخذ عنونة دالة هي (المرأة واللغة)، والذي تمخض عنه ( تأنيث اللغة ) و(ثقافة الوهم)، وبعد ذلك (تأنيث القصيدة) في اطار نزعته المضادة للتفحيل. تظهر النزعة المضادة للتفحيل في مشروع الغذامي ميلا للتأنيث أو التخنيث للغة، والفكر في سياق دعوة الغذامي إلى إعادة اللغة إلى الأصل الأم باعتبار أن اللغة في جوهرها انثوية قبل إخضاعها إلى هيمنة السلطة الفحولية، التي شرعنت اللغة ومنظومة القيم، ومن هذا المنطلق فإن الغذامي بانتصافه للمرأة يعمل على إلغاء وإقصاء الفحولة والتفحيل في الثقافة العربية، بل إقصاء الرجولة بشكل عام وإلى هذا المعنى الإقصائي، الذي يبث أنساقه مشروع الغذامي تشير الكاتبة – ضياء الكعبي- المتحمسة لمشروع الغذامي ( إن إحدى قارئات الغذامي قالت: أحمد الله إني قرأت الغذامي وأنا غير متزوجة، وإلا فإن مصير زوجي كان سيؤول إلى أن يقطع أجزاء في كيس نفايات).
إن حقوق المرأة لا يعني استبعاد الرجل وإقصاءه، بإحلال مركزية المرأة، بل وبحسب عبد الوهاب المسيري، بإيجاد أرضية مشتركة بين الرجل والمرأة وتفهمهما المتبادل لحقوق كليهما، أي وبتعبير المسيري تأصيل مفهوم مركزية الأسرة، بديلا عن الثنائيات الصراعية مركزية الرجل أو مركزية المرأة، ومن شأن ذلك أن يرتقي في الأسرة و صياغة الوعي الأسري والارتقاء به.