كيف يعالج العراق ارتفاع درجات الحرارة؟
رحيم رزاق الجبوري
تصوير: مصطفى الجيزاني-بلال محمد
تتكرر في السنوات المنصرمة الأخيرة - وتحديداً في فصل الصيف- إذاعة خبر مزعج تتناقله وسائل الإعلام المختلفة، ومفاده تصدر محافظات عراقية عدة مدن العالم بارتفاع درجات الحرارة، وتعزو الهيئة العامة للأنواء الجوية والرصد الزلزالي العراقية، في كل مرة ذلك الارتفاع بسبب زيادة تأثير المنخفض الجوي الموسمي، والذي ترافقه كتلة هوائية حارة ورطبة.
متخصصون في مجال المناخ والزراعة والبيئة والبناء، بينوا الأسباب التي تسهم في ارتفاع معدلات الحرارة الملحوظ واشتداده؛ ومنها: غياب المساحات الخضراء، وعدم وجود مسطحات مائية، إضافة إلى تجريف البساتين المستمر، وعدم زراعة الأشجار الظلية بأعداد كبيرة، التي تسهم في ترطيب الجو وتلطيفه، فضلاً عن وجود مئات الآلاف من المولدات الكهربائية الكبيرة وتأثيرها الخطير في البيئة والمناخ، وأعداد السيارات الهائلة وغيرها من العوامل التي تجعل من مناخ العراق حاراً بشكل لا يطاق.
عوامل مؤثرة
ويوضح صادق عطية (متنبئ وخبير جوي) في الهيئة العامة للأنواء الجوية والرصد الزلزالي العراقية، سبب تسجيل مناطق في جنوب العراق أعلى درجة حرارة صيفاً، إذ يقول: "إن هذه المناطق تقع ضمن المناخ الصحراوي أو شبه الصحراوي الحار والجاف، وهي مناطق نفطية وما يصاحبها من محروقات تتسبب برفع درجة حرارة الهواء الملامس لها، خصوصاً في السنوات الأخيرة، كما أنها مناطق منخفضة (رسوبية) لا ترتفع كثيراً عن مستوى سطح البحر، وبذلك يتكدس الهواء الحار فيها، فضلاً عن تأثرها بالرياح الشمالية الغربية التي تنحدر من جبال إيران شرقاً، والهضبة الغربية غرباً، ما يتسبب في تناقص رطوبة المناخ واكتساب الهواء النازل للمزيد من حرارة الأرض الناتجة عن الإشعاع الشمسي الذي يكون شبه عمودي وتصل زاوية السمت الشمسي إلى 84.5 صيفاً".
رطوبة مرهقة
ويكمل: "تتأثر هذه المناطق أحياناً بموجات من الرطوبة (المرهقة) وكتل مدارية بحرية عند تحول الرياح إلى جنوبية شرقية محملة بالرطوبة من مياه الخليج العربي، ووجود منخفض جوي حراري، متمركز جنوب العراق وشمال الخليج، مع وجود مرتفع جوي في الأعلى، يعملان معاً على تشكل ما يشبه قبة حرارية أو بيت زجاجي Green house بسبب ما يقوم به المرتفع الجوي من كبس الهواء الصاعد من المنخفض وسخونته أديباتيكيا بمقدار 10 درجات لكل 1 كم نزولا للهواء الجاف".
تدهور بيئي مستمر
ويؤكد عطية في ختام حديثه : "استمرارية معاناتنا الكبيرة من التدهور البيئي، الذي ستمتد آثاره لعشرات السنين". محذراً من أن "القادم يبدو غامضاً، في ظل تلكؤ واضح من قبل الحكومات المتعاقبة في كبح جماح هذا التدهور الخطير".
تغيرات مناخيّة عالميّة
بدوره يرى المتنبئ الجوي محمد النجفي: "أنّ ارتفاع درجات الحرارة في البلاد في السنوات القليلة الماضية، وتزايد قوة وطول موجات الحر في فصل الصيف، لهما أسباب عديدة ومتنوعة، فبعضها متعلقة بالتغيرات المناخية العالمية والتي تسبب ارتفاع درجة الحرارة في الكوكب، نتيجة زيادة نسبة الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي الناجمة عن ثوران البراكين وحرق الوقود الأحفوري، والأخرى أسباب بيئية خطيرة وهي الأهم، تتمثل بتدمير الغطاء النباتي للأراضي الزراعية خصوصًا أثناء الحروب التي شهدتها البلاد في آخر ٤٠ سنة، ومثال على ذلك أعداد النخيل في سبعينيات القرن الماضي كانت ٥٠ مليون نخلة وفق إحصائية أجريت، وبعد الحروب والدمار انخفض العدد إلى ۳۰ مليون نخلة في التسعينيات، واستمر تناقص أعدادها حتى وصل إلى ١٦ مليون نخلة في العام ٢٠١٦، فضلا عن أراضٍ زراعية واسعة تحتوي على كميات كبيرة من أشجار الفواكه قد تعرضت للدمار الشامل أيضاً".
تصحُّر
ويضيف: "وما زال العراق يتعرض للتصحر لغاية اليوم فالسدود العملاقة التي تم إنشاؤها على نهري دجلة والفرات تسببت بأضرار خطيرة للبيئة في العراق تتمثل بانخفاض مستوى المياه في الأنهر وجفاف الأهوار في الجنوب والبحيرات الكبيرة، وكذلك روافد رئيسة مغذية للأنهر، وانعكس ذلك سلباً على الأراضي الزراعية. ووفقاً لتصريحات صدرت من وزارتي الزراعة والبيئة مفادهما أن العراق يفقد سنوياً أكثر من ١٠٠ ألف دونم من الأراضي الزراعية الخصبة بسبب انخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات، وعليه فإن ٩٠بالمئة من هذه الأراضي معرضة للتصحر في حال استمرار الحال نفسه، تزامناً مع توسع المدن السكنية وزيادة الأسطح العاكسة للحرارة".
معالجات ترقيعيَّة
ويختم النجفي، حديثه مؤكداً أن: "تضاريس العراق المتمثلة بانخفاض الأرض عن مستوى سطح البحر في الوسط والجنوب وأشعة الشمس العمودية، هي السبب وراء موجات الحر وما يجب معرفته أن هذه العوامل ليست بجديدة وموجودة منذ آلاف السنين، حيث تجعل مناخ العراق حاراً صيفاً، لكن ليس بهذا الحد من التطرف، إذ تصل درجات الحرارة أحياناً إلى ٥٣ درجة مئوية أو أقل بقليل أثناء تأثير موجات الحر في السنوات الأخيرة، وهذه أرقام قياسية ومرتفعة مقارنة مع المعدل الطبيعي للحرارة في العراق. كما أن المخاطر البيئية المتعلقة بهذه التغيرات كثيرة ومتفرعة ولغاية الآن لا توجد حلول ناجعة تذكر لهذه الأزمة، وأغلبها معالجات ترقيعية لا تجدي نفعاً".
درع نباتي
بينما يشير المهندس الزراعي (محمد عواد القره غولي) إلى: "أهمية مناقشة موضوع ارتفاع درجات الحرارة وحدتها"، مؤكداً أن: "الأمر يتطلب رفع تكبيل كل الأيادي المعنية في هذه الأزمة، ودفعها لوجود حل سريع وواقعي". ويضيف: "أجد أن الحلول تجد طريقاً سهلاً بالنسبة لأراضي العراق. فلو توجهت صوب المحافظات الغربية لوجدت مئات الآلاف من الهكتارات الزراعية فارغة؛ ومن الممكن استثمارها في البناء، والزراعة عن طريق اروائها بآبار ارتوازية، وهذا طبعاً يتطلب جهد الدولة، وينهي العديد من المشكلات في آن واحد، لا سيما البطالة، وكذلك توفير وحدات سكنية للمزارعين، فضلا عن توفير الدرع الزراعي والنباتي الذي يحد من الغبار ويوفر نسبة أوكسجين عالية، ويحمي طبقة الأوزون".
المواطن شريك بالأزمة
محمد هاشم رجب (مهندس مدني) يلقي باللوم على المواطن، ويوجه أصابع الاتهام إليه، في هذه الأزمة، عاده المعني الأول فيها، سواء كان فلاحاً أو مزارعاً أو مدنياً متحضراً، إذ يقول: "حين تنظر نظرة شمولية للمناطق الزراعية التي كانت تغطي مساحات شاسعة من البلاد، واليوم تراها تحولت إلى مبانٍ سكنية. وبطبيعة الحال فهذه التجمعات السكنية أسهمت مساهمة فاعلة في تنامي الاحتباس الحراري من خلال متطلبات الحياة من سيارات ومعدات وغير ذلك".
الحدائق المنزليَّة
ويختم رجب حديثه، مؤكداً: "ضرورة إيلاء أهمية كبرى للحدائق المنزلية، التي اختفت بنسب كبيرة، لساكني المناطق والمدن الحضرية، فهم المعنيون بتوفير حزام أخضر من خلال وضعه في تصاميم البناء". مشيراً إلى: "توخي وتجنب البناء العمودي من الآن فصاعداً، لأنه يتعارض مع الظروف المناخية الجديدة؛ لافتقاره إلى المساحات الخضراء في تصاميمه، وبالتالي انعدام نسبة الأوكسجين، ما يشكل ضرراً بيئياً ومناخياً على البلد الذي يعاني بالأساس من نسبة تلوث كبيرة وخطيرة".
مناخ متأثر
وفي السياق ذاته، يقول أنس محمد أزهر (مهندس ومستشار زراعي ومهتم في الشأن البيئي): "إن سبب التغيرات المناخية في العراق يعود لعوامل عديدة، منها: وجود 7 ملايين سيارة، عدا المصانع والمعامل والمولدات وما تفرزه من ملوثات بشكل يومي تسهم في هذا التغير الخطير. كما أن بلادنا تعد من الدول المتأثرة بالتلوث، لا سيما القادم من الدول الصناعية الأوروبية، ومنها تركيا وألمانيا. وهذه الدول وغيرها لا تعاني من التلوث بسبب الحجم الهائل والكبير للمساحات الخضراء التي تغطي مساحاتها، فألمانيا -على سبيل المثال- التي مساحتها أصغر من العراق يوجد فيها 90 مليار شجرة، وتركيا 66 مليار شجرة، وبالتأكيد هذه الأعداد الكبيرة تساعد على امتصاص الملوثات، وإنتاج الأوكسجين".
مساحات خضراء
ويضيف: "في بلادنا وللأسف الشديد، بدأت تختفي المساحات الخضراء في المدن والبساتين، ما أدى إلى عوامل بيئية أخرى، أفرزت ارتفاعاً في مستوى التلوث الذي يؤدي إلى الاحتباس الحراري بسبب عدم وجود أشجار تمتص هذا التلوث. وبحسب تقرير وزارة التخطيط الذي بينت فيه نسبة المساحات الكونكريتية والإسفلتية في المدن والتي تتراوح من 60-70بالمئة وبالطبع يؤثر ذلك في ارتفاع الحرارة بدرجة كبيرة؛ كون الكونكريت يمتص الحرارة نهاراً ويرجعها ليلاً".
أشجار معمرة
ويكمل: "كما تكمن المشكلة الأكبر في افتقادنا إلى وجود أشجار معمرة. والأشجار الصغيرة التي تزرع في الوقت الحالي، لا تفي بالغرض، فكل 100 شجرة تعمل عمل شجرة معمرة واحدة، ولا تعطي كفاءة عمل في التقليل من الثلوث وإعطاء أوكسجين، ولكي تصل لمستويات جيدة، لا بد أن يصل عمرها إلى 15 - 20 سنة".
خطر مستمر
ويؤكد (مسؤول التشجير في مؤسسة "مثابرون" للخير والبيئة والتنمية، وصاحب مبادرة شجر) في ختام مداخلته، أن: "التلوث المستمر، والأشعة فوق البنفسجية، وارتفاع درجات الحرارة قد تتسبب بمشكلة أخرى، وهي تقلص نسبة نمو أشجار عديدة". مشيراً بالقول: "بدأنا نعمل على تقسيم أنواع من الأشجار وزراعتها، وفقاً للمحافظات وبيئتها، وإن احتمالية نموها من عدمه، تخضع للأسباب المذكورة آنفاً". محذراً من: "استمرار هذا التلوث الخطير في السنوات المقبلة، الذي قد يؤدي لعدم استطاعتنا زراعة هذه الأنواع من الأشجار؛ كون بعضها تُجلب من مشاتل ظلية، وبعد نقلها وزراعتها في مكان آخر، تتعرض لحرارة عالية تفقدها النمو والقدرة على العيش".