سلام مكي
قانون العنف الأسري، وحسب ما موجود في مسودة القانون، وجد لحماية الأفراد داخل الأسرة الواحدة من العنف، الذي يمارس ضدهم من قبل أحد أفراد تلك الأسرة، إضافة إلى المشمول بالوصاية أو القيمومة أو الضم أو أبناء أحد الزوجين ممن يسكن معه في الدار نفسها
مع كل حادث عنف، داخل الأسرة الواحدة، تتعالى الأصوات المطالبة بتشريع قانون العنف الأسري الذي تمت إعادته إلى الحكومة لإعادة صياغته من جديد. مقابل المطالبة بتشريعه، هنالك من يرفضه جملة وتفصيلا، فهو قانون، يؤدي إلى التفكك الأسري، ويخالف الأعراف والعادات التي نشأ عليها المجتمع. ولكل رأي مبررات وأسباب تدعوه إلى الإصرار على رأيه. صحيح أن الرأي النهائي للمشرع المتمثل بمجلس النواب، لكن لا بد من طرح الرأي القانوني، ومحاولة الكشف عن نصوص القانون، ومدى الحاجة الحقيقية له، وهل ثمة حاجة للقانون؟ أم هنالك نصوص قانونية تلبي الحاجة التي يراد تشريع القانون من أجلها.
إن قانون العنف الأسري، وحسب ما موجود في مسودة القانون، وجد لحماية الأفراد داخل الأسرة الواحدة من العنف، الذي يمارس ضدهم من قبل أحد أفراد تلك الأسرة، إضافة إلى المشمول بالوصاية أو القيمومة أو الضم أو أبناء أحد الزوجين ممن يسكن معه في الدار نفسها. والعنف، يعني به التعدي على الحق في سلامة الجسد، كالضرب مثلا، أو العنف اللفظي، كالشتم والسب والقذف. واعتبرت المسودة أن الاكراه على التسول، أحد صور العنف الأسري.
فلو سألنا: هل إن تلك الأفعال في الوقت الحاضر، وأعني الضرب والتعدي اللفظي والاكراه على التسول، الذي يمارس من قبل أحد أفراد الأسرة ضد فرد آخر تعد أفعالا مباحة؟ أم أن القانون وضع عقوبات لمن يرتكبها، أي أن القانون قد جرّمها، قبل أن يشرع القانون أصلا.
إن الإجابة عن هذا السؤال، يجعلنا نعود إلى قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، حيث نجد أن المادة 412 تنص: من اعتدى عمدا على آخر بالجرح أو بالضرب أو بالعنف أو بإعطاء مادة ضارة أو بارتكاب أي فعل آخر مخالف للقانون، قاصدا إحداث عاهدة مستديمة به يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة. فهنا، نجد أن النص القانوني جاء عاما، أي أن ارتكاب فعل الضرب ضد أي شخص، سواء كان المجنى عليه قريبا للجاني أو لا تربطه به صلة قرابة، يعاقب بالسجن. وكذلك المادة 412 التي عاقبت بالحبس كل من يعتدي على آخر بالضرب أو بالعنف.
أما الفصل الثالث من قانون العقوبات، فقد تضمن تجريم العنف اللفظي، كالتهديد والقذف والسب وإفشاء الأسرار. فعاقب بالحبس من كل من يهدد آخر بارتكاب جناية ضد نفسه أو ماله أو ضد نفسه أو مال غيره بإسناد أمور خادشة للشرف أو الاعتبار أو إفشائها.. وعاقب بالحبس في المادة 434 كل من يسب غيره.. ومن هنا نجد أن الأفعال المراد تجريمها في قانون العنف الأسري، هي مجرمة بالأصل في قانون العقوبات. إذا: ما هي الحاجة للقانون؟ وهل ثمة شيء جديد يتضمنه؟ إن الجديد الذي جاء به مشروع القانون هو النص على استحداث دائرة الحماية من العنف الأسري ترتبط بوزارة الداخلية. وهذه الدائرة تتولى مهام عدة، منها تلقي الشكاوى وتسجيلها لغرض احالتها للقاض المختص، وكذلك المساعدة على دور الايواء التي سيتم تأسيسها من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية
لاحقا.
ومن واجبات تلك الدور حسب مشروع القانون، هو استقبال المشتكيات أو المشتكين بناء على قرار القاضي المختص، وتوفير الاحتياجات اللازمة لهم. كما نص المشروع على إمكانية فتح مراكز إيواء أهلية بموجب موافقات خاصة.
إن التسليم بتلك النصوص، يعني فتح آفاق اجتماعية جديدة، يألفها المجتمع من قبل، حيث بإمكان أي فتاة إقامة الشكوى على أبيها أو أخيها، أو الولد يشتكي على والده أو والدته، ويمكنه بعد الشكوى خوفا على مجريات التحقيق أو مقتضيات العدالة، أو يطلب من القاضي المختص إيداعه في دور الإيواء أثناء نظر القضية ولحين صدور قرار بها. وفي كل الأحوال، فإن خروج البنت أو الولد من بيت العائلة بعد شكواه من أبيه أو أمه، يجعل من مسألة عودته أمرا بغاية الصعوبة أو عدم إمكانية العودة أصلا، لأن في حالة إدانة الأب أو الأم بالعنف، أو في حالة الافراج عنه، فلن تعود علاقة المشتكي/ الابن، البنت، بأبيها أو أمها كما في السابق! فهنا سنكون أمام تفكك أسري واجتماعي، وسنكون أمام حالات خطرة، لم يعهدها المجتمع، وهي عدم إمكانية ممارسة الأب الحق في تربية أولاده، لأنه سيكون معرضا للشكوى أمام دائرة العنف الأسري، في حال كان أسلوبه لا يعجب الابن أو البنت!
إن وجود قانون هكذا في المنظومة التشريعية العراقية، أمر لا مبرر له، ولا حاجة له، في ظل وجود نصوص قانونية تحمي حق الانسان في سلامة جسده وشعوره، سواء كان المعتدي أبا أو أخا أو غريبا.