الأسطورة.. تحليل من منظور مختلف

ثقافة 2024/09/11
...

ترجمة وإعداد: مي إسماعيل








قد تكون الأساطير الإغريقية أول ما يتبادر للذهن عند سماع كلمة “الأسطورة-Myth “؛ لكن تاريخ الأساطير يضم أنواعا وأنماطا أخرى منها؛ تتنوع تاريخيا وجغرافيا وثقافيا حول العالم. 

ولدت أغلب الأساطير منذ مئات أو آلاف السنين، ووجدت في كل الثقافات؛ فماذا تعني..؟ يمكن القول إن الأسطورة هي سرديات رمزية يمكن استخدامها لتفسير التاريخ المُبكّر لمجموعة من البشر؛ أي- تُفسّر بدايات تاريخهم وأصول بعض الطقوس الثقافية لهم، أو التقييم الثقافي والاجتماعي لمجموعة من البشر. 







معنى الأسطورة

استُخدِمت أسطورة “بيرسيفون” في اليونان القديمة لتفسير تعاقب الفصول؛ إذ كان على بيرسيفون أن تقضي ثلث أيام السنة مع زوجها “هاديس” والثلثين الآخرين مع والدتها “ديميتر”؛ وهذا أوجد الفصول. ونظرا لأهمية الأساطير في الثقافات المتنوعة؛ كانت هناك العديد من الطرق المختلفة لترجمتها وتفسيرها؛ إذ يمكن استكشاف الأسطورة من منظور علم الأنثروبولوجيا، أو علم الاجتماع، أو الدراسات الدينية أو الأدب.. على سبيل المثال لا الحصر. 

هناك أصول متنوعة للأسطورة؛ إذ تشكّل بعضها لتفسير أصول المجموعات البشرية، وهي بالتالي تستند إلى التاريخ، ولعل غيرها جرى تشكيلها بهدف إمتاع الضيوف.. تلك الأساطير انتشرت بالرواية الشفوية والكلمة المنقولة؛ لكن تدوين الأساطير لم يصبح شائعا إلا في القرن التاسع عشر. يمكن استخدام الأساطير لاستكشاف بعض المعتقدات الدينية أو الثقافية؛ فخلال بعض العصور جرى توظيف بعض الأساطير لرفع الروح المعنوية بين عامة الناس. وفي حالات أخرى استُخدِمت الأسطورة لتفسير أحداث عالم الطبيعة؛ ومنها ما ظهر في الأسطورة اليونانية عن الحورية المسماة “إيكو” (= الصدى. المترجمة)، والتي تقدم تفسيرا لكيفية سماع أصداء الأصوات. 

العصر الذهبي

جاء هذا المصطلح من الشعراء الرومان واليونانيين الأوائل؛ الذين وصفوه بأنه الوقت الذي كان فيه البشر طاهرين ويعيشون حياة أفضل؛ وبذا تكون الأسطورة قد وُظِّفت كدروس لقيادة المجتمع.

 قد تغطي الأسطورة مواضيع متنوعة من حياة البشر؛ مثل الميلاد والموت والحياة الآخرة، ومبادئ الخير والشر، وما تعنيه المعاناة، وحديث عن الحيوانات وأصل أشياء معينة في الحياة..وبدايات العالم والإنسان وقصص الآلهة (كما تصورها الإنسان).. وغيرها.. وذلك كله يعني أن الأساطير لا تنتهي دائما نهاياتٍ سعيدة؛ فكما هو الحال في الحياة الاعتيادية؛ تُقدم الأساطير عواقب الأعمال وتبعاتها، كما تقدم تحذيراتٍ مما سيأتي ووعودا واحتفالات بالأحداث. 

أنواع الأساطير

تتنوع الأساطير وفق ما ترويه والأحداث التي نبعت منها، ولكن عموما هناك بضعة أنواع من الأساطير أهمها:

• الأساطير التاريخية (Historical Myths) : وهي الأساطير التي تُعيد رواية قصص الماضي، ولكنها تُعطيها معاني إضافية عما كانت عليه الأحداث فعليا؛ هذا إذا كانت تلك القصص قد وقعت فعليا.. في الملحمة الهندية “ماهابهارتا-Mahabharata” (400 عام ق. م.) التي كتبها “فياسا-Vyasa”، وفي معركة كوروكشترا، مثّلَ الإخوة “باندافا” رمزا لقيم متنوعة، وكانوا قدوة رغم عيوبهم. وفي تلك الملحمة يزور “كريشنا” (أحد آلهة الهندوس) الأخ “آرجونا” ليخبره عن الهدف من الحياة. وفي إلياذة “هوميروس” (800 ق. م.) يسمع الجمهور قصة حرب طروادة والمعارك العظيمة التي خاضتها الشخصيات القوية، مثل “أخيل” و”أغاممنون”. 

• الأساطير السببية (Etiological myths): وهي كلمة اشتُقّت من الكلمة الإغريقية “aitiología” التي تعني: السبب. يصف هذا النوع من الأساطير كيف تشكلت أشياء معينة وصارت بالشكل الذي رأيناها فيه وأصلها. نتيجة لذلك يجري تصنيف “الأساطير السببية” عادة بأنها قصص “أصول الأشياء”، التي توضح كيف صار العالم على ما هو عليه الآن. يسود الاعتقاد في الأساطير الإسكندنافية أن الرعد يتكوّن من عجلات مركبة “ثور- Thor” الحربية وهي تندفع عبر السماء. وفي الأساطير الصينية يجري تفسير مؤسسة الزواج عبر رواية الآلهة “نوا-Nuwa” التي كانت تصنع الأطفال، لكنها تعبت من المهمة؛ لذا ابتكرت الزواج كي يتزوج البشر ويُنجبوا أطفالهم بأنفسهم. وقدمت أساطير الأبورجينيز في أستراليا تفسيرا لكيفية اكتساب الكنغر للجيب في بطنه؛ عبر قصة أم الكنغر التي أنقذت ابنها وحيوان “السحمور- wombat” من الصيادين. في هذه القصة يُخبر السحمور الكنغر- الأم بأنه والد جميع الحيوانات ويرغب بمكافأتها؛ بأن يضع اللحاء على بطنها ويخلق لها كيسا يمكنها استخدامه لحماية ابنها. 

• الأساطير النفسية (Psychological myths): وتلك الأساطير هي قصص عن رحلات من العالم المعروف إلى العالم غير المعروف، ويرى كل من “كارل يونج” (عالم نفس سويسري، مؤسس علم النفس التحليلي. المترجمة، عن موسوعة ويكبيديا) و”جوزيف كامبل” (كاتب أميركي، باحث في الأساطير. المترجمة، عن موسوعة ويكبيديا)، أن الأساطير النفسية قيلت لأنها تُمثل حاجة نفسية للأفراد كي تُشكّل توازنا بين عالمهم الخارجي وبين وعيهم الداخلي بذلك العالم. يعتقد يونغ بأن الأسطورة كانت جزءًا مهما من النفس البشرية، سمحت لها بإيجاد النظام والمعنى في العالم، لذلك لم تكن الأساطير تُستخدم لتعليم القيم الثقافية فحسب؛ بل أيضا لخلق هيكلية للمجتمع. كانت تلك القصص تدور عادة حول البطل/ البطلة في رحلة استكشاف مصائرهم أو هوياتهم وحل مشكلةٍ ما؛ وهي ذات صلة ثقافية بالجمهور في الوقت نفسه. ويدعو كامبل هذا النمط من الأساطير بــــ”رحلة البطل”. ومن الأمثلة على ذلك “الأمير أوديب” الذي يترك منزل والديه بالتبني بعد أن علم بنبوءة أنه سيكبر ويقتل والده. يُسافر أوديب إلى مكانٍ آخر حيث ينتهي به المطاف بقتل والده الحقيقي الذي تخلى عنه حين ولادته. تلك الأسطورة تُظهِر للجمهور اليوناني القديم عبثية تغيير قدر الإنسان الذي تُحدده الآلهة، وتقودهم إلى الخوف من الآلهة واحترامها وتهيّبها. 

أقدم أساطير العالم

هناك أنواع أخرى من الأساطير منها: “أساطير الأرض الخفية- Chthonic myths”؛ وتدور حول مواضيع الموت والدمار والعالم السفلي، ومصير الإنسان هناك وفق ما جناه في حياته الأولى. في الأساطير الفرعونية كانت “ماعت-Ma’at” آلهة العالم السفلي والقانون والأخلاق والعدالة، وكانت تختار من يدخل ذلك العالم. وحين يموت الناس كانت ماعت تضع القلب في الميزان مقابل ريشة الحقيقة (التي ترتديها عادة على رأسها). فإذا كانت الريشة أخف من قلب المرء كان يُساق إلى موته الثاني. وظهر طائر الفينيق “phoenix” ((العنقاء)) في أساطير عدة حضارات؛ منها الهند ومصر والإغريق. يجري تمثيل الفينيق عادة بهيئة طائر ضخم أو نسر براق المظهر مرتبط بالشمس المشرقة. وبعد حياة طويلة، وحينما يُدرك الفينيق أنه سيموت؛ يُهيئ لنفسه محرقة جنائزية. وبينما تُدمر النار الطائر العجوز؛ يولد الفينيق الجديد.  

لكن أقدم أسطورة في العالم هي أسطورة نفسية تُفسّر رحلة الإنسان للعثور عن معنى لحياته وحتمية الموت.. صيغت “ملحمة كلكامش” (2150-1400 ق.م.) في بلاد ما بين النهرين من قصائد سومرية، تتحدث عن رحلة كلكامش ملك أوروك، الذي يربح في خاتمة المطاف منزلة “شبه إله” في القصة. في تلك الأسطورة كان كلكامش ملكا متكبرا ومتغطرسا؛ حتى رغبت الآلهة بأن تعلمه درساً. أعدّت الآلهة أنكيدو ليصبح خصما لكلكامش، وينخرط الاثنان في صراع.. ولكن حينما لم يتمكن أحدهما من أن يهزم الآخر؛ أصبحا صديقين. لاحقا قتلت الآلهة أنكديو بعدما أهانها؛ ومضى كلكامش؛ الذي كان في ألم وحزن شديدين بعد وفاة أفضل صديق له؛ في رحلة بحثا عن معنى الحياة وعن الخلود. ورغم أنه لم يستطع أن ينال الحياة الأبدية؛ لكنه تعلم الشيء الكثير في مسعاه، وعاد إلى المملكة ملكاً ورجلاً أفضل. 

أساطير الآلهة والخلق

نسجت العديد من الحضارات الكلاسيكية أساطير عن حياة وأفعال الآلهة، تدور أحداثها تلك في أماكن خارقة للطبيعة أو عالم آخر؛ مثل الجنة أو الكون. ويمكن أن تدور في أماكن خيالية؛ مثل جبل الأولمب (موطن الآلهة في أساطير الإغريق). لدى تلك الآلهة تجسيداتٍ لصفاتٍ إنسانية؛ مثل- الجمال والموسيقى، أو للظواهر الطبيعية مثل الرعد أو المطر. واستُخدِم التفاعل بين تلك الآلهة لتقديم تفسيراتٍ لما يقع من أحداثٍ العالم الذي عاش فيه القدماء. ومن الأمثلة هنا أن أساطير الإغريق القدماء فسرت حرب طروادة بخلاف بين ثلاثة من الآلهة! بينما لم تقتصر غاية أساطير الخلق على تقديم تفسيرات ثقافية لبدء المجتمعات أو الكون فحسب؛ بل إنشاء خلفية هادفة ترتبط بالزمن الحاضر. جاء في أساطير قبائل “الهوبي” (الهنود، سكان أميركا الأصليين. المترجمة) أن “المرأة العنكبوت” شكّلت الإنسان الأول من الطين واللعاب، كما جاء فيها وصف نهاية الإنسانية. سردت تلك الروايات كيف كان البشر يتمتعون بإرادة حرة للذهاب ضد ما وجدوا أنفسهم فيه من ظروف، وبالتالي جرى استخدام الأساطير كتحذيرات ودروس رمزية حول كيفية تصرف المجتمع والأفراد الذين يعيشون فيه. 

سمات الأساطير

يرى جوزيف كامبل في كتابه “البطل ذو الألف وجه” الصادر عام 1949 (بحث في الأساطير المقارنة، إذ يطرح المؤلف نظريته عن البنية الأسطورية لرحلة البطل النموذجي في الأساطير العالمية. المترجمة، عن موسوعة ويكبيديا)، العديد من أوجه التشابه للشخصيات والموضوعات والسرد والغرض في أساطير مختلف الثقافات على مستوى العالم وعبر التاريخ؛ التي يسميها “الأسطورة الأحادية-monomyth”. ونتيجة لذلك يمكن إيجاد سمات متماثلة في جميع أنواع الأساطير؛ منها: 

1.  نجد في الأساطير عادة صفات وكيانات خرافية مثل الآلهة؛ الذين يتمتعون غالبا بقوى خارقة للطبيعة. وقد تكون شخصيات غير بشرية بطرق متباينة؛ كأن تكون حيوانات أو كائنات من عالم آخر. 

2.  بما أن الأساطير بمثابة دروس للإنسان؛ فقد اقتضى الأمر روايتها وكأنها حقائق. وكان من المفترض أن تقدم تفسيرات منطقية للمجتمع تجعل الناس يصدقون أنها قصص حقيقية. وأضافت نبرة الخطاب السردي إلى تلك القصص المزيد من أساليب الاعتقاد؛ حينما استُخدمت كوسيلة لشرح أصول أشياء معينة حول العالم. 

3.  تدور الأساطير عادةً في أماكن قديمة جدا، ومشابهة لما هو مألوف للثقافة التي تُروى فيها الأسطورة.

4.  كانت الأساطير طريقة لتعليم القيم الأخلاقية لجمهورها؛ لذا استخدمت اللغة المجازية كوسيلة لاستكشاف وتحليل الأحداث الواقعية.

5.  يلعب الصراع دورا رئيسيا في الأساطير؛ فالتضاد الثنائي بين الظلام والنور والخير والشر وما إلى ذلك موجود في أغلبها.

6.  التغيير والتحولات جزء هام من الأساطير، حيث يمر البطل/ البطلة برحلة تغيير يكتسب في نهايتها منظورا مختلفا للحياة، أو عندما يتحول وحشٌ ما من شرير إلى جيد.

موقع: “ستادي سمارتر- STUDY SMARTER”

معنى الأسطورة

استُخدِمت أسطورة “بيرسيفون” في اليونان القديمة لتفسير تعاقب الفصول؛ إذ كان على بيرسيفون أن تقضي ثلث أيام السنة مع زوجها “هاديس” والثلثين الآخرين مع والدتها “ديميتر”؛ وهذا أوجد الفصول. ونظرا لأهمية الأساطير في الثقافات المتنوعة؛ كانت هناك العديد من الطرق المختلفة لترجمتها وتفسيرها؛ إذ يمكن استكشاف الأسطورة من منظور علم الأنثروبولوجيا، أو علم الاجتماع، أو الدراسات الدينية أو الأدب.. على سبيل المثال لا الحصر. 

هناك أصول متنوعة للأسطورة؛ إذ تشكّل بعضها لتفسير أصول المجموعات البشرية، وهي بالتالي تستند إلى التاريخ، ولعل غيرها جرى تشكيلها بهدف إمتاع الضيوف.. تلك الأساطير انتشرت بالرواية الشفوية والكلمة المنقولة؛ لكن تدوين الأساطير لم يصبح شائعا إلا في القرن التاسع عشر. يمكن استخدام الأساطير لاستكشاف بعض المعتقدات الدينية أو الثقافية؛ فخلال بعض العصور جرى توظيف بعض الأساطير لرفع الروح المعنوية بين عامة الناس. وفي حالات أخرى استُخدِمت الأسطورة لتفسير أحداث عالم الطبيعة؛ ومنها ما ظهر في الأسطورة اليونانية عن الحورية المسماة “إيكو” (= الصدى. المترجمة)، والتي تقدم تفسيرا لكيفية سماع أصداء الأصوات. 

العصر الذهبي

جاء هذا المصطلح من الشعراء الرومان واليونانيين الأوائل؛ الذين وصفوه بأنه الوقت الذي كان فيه البشر طاهرين ويعيشون حياة أفضل؛ وبذا تكون الأسطورة قد وُظِّفت كدروس لقيادة المجتمع.

 قد تغطي الأسطورة مواضيع متنوعة من حياة البشر؛ مثل الميلاد والموت والحياة الآخرة، ومبادئ الخير والشر، وما تعنيه المعاناة، وحديث عن الحيوانات وأصل أشياء معينة في الحياة..وبدايات العالم والإنسان وقصص الآلهة (كما تصورها الإنسان).. وغيرها.. وذلك كله يعني أن الأساطير لا تنتهي دائما نهاياتٍ سعيدة؛ فكما هو الحال في الحياة الاعتيادية؛ تُقدم الأساطير عواقب الأعمال وتبعاتها، كما تقدم تحذيراتٍ مما سيأتي ووعودا واحتفالات بالأحداث. 

أنواع الأساطير

تتنوع الأساطير وفق ما ترويه والأحداث التي نبعت منها، ولكن عموما هناك بضعة أنواع من الأساطير أهمها:

• الأساطير التاريخية (Historical Myths) : وهي الأساطير التي تُعيد رواية قصص الماضي، ولكنها تُعطيها معاني إضافية عما كانت عليه الأحداث فعليا؛ هذا إذا كانت تلك القصص قد وقعت فعليا.. في الملحمة الهندية “ماهابهارتا-Mahabharata” (400 عام ق. م.) التي كتبها “فياسا-Vyasa”، وفي معركة كوروكشترا، مثّلَ الإخوة “باندافا” رمزا لقيم متنوعة، وكانوا قدوة رغم عيوبهم. وفي تلك الملحمة يزور “كريشنا” (أحد آلهة الهندوس) الأخ “آرجونا” ليخبره عن الهدف من الحياة. وفي إلياذة “هوميروس” (800 ق. م.) يسمع الجمهور قصة حرب طروادة والمعارك العظيمة التي خاضتها الشخصيات القوية، مثل “أخيل” و”أغاممنون”. 

• الأساطير السببية (Etiological myths): وهي كلمة اشتُقّت من الكلمة الإغريقية “aitiología” التي تعني: السبب. يصف هذا النوع من الأساطير كيف تشكلت أشياء معينة وصارت بالشكل الذي رأيناها فيه وأصلها. نتيجة لذلك يجري تصنيف “الأساطير السببية” عادة بأنها قصص “أصول الأشياء”، التي توضح كيف صار العالم على ما هو عليه الآن. يسود الاعتقاد في الأساطير الإسكندنافية أن الرعد يتكوّن من عجلات مركبة “ثور- Thor” الحربية وهي تندفع عبر السماء. وفي الأساطير الصينية يجري تفسير مؤسسة الزواج عبر رواية الآلهة “نوا-Nuwa” التي كانت تصنع الأطفال، لكنها تعبت من المهمة؛ لذا ابتكرت الزواج كي يتزوج البشر ويُنجبوا أطفالهم بأنفسهم. وقدمت أساطير الأبورجينيز في أستراليا تفسيرا لكيفية اكتساب الكنغر للجيب في بطنه؛ عبر قصة أم الكنغر التي أنقذت ابنها وحيوان “السحمور- wombat” من الصيادين. في هذه القصة يُخبر السحمور الكنغر- الأم بأنه والد جميع الحيوانات ويرغب بمكافأتها؛ بأن يضع اللحاء على بطنها ويخلق لها كيسا يمكنها استخدامه لحماية ابنها. 

• الأساطير النفسية (Psychological myths): وتلك الأساطير هي قصص عن رحلات من العالم المعروف إلى العالم غير المعروف، ويرى كل من “كارل يونج” (عالم نفس سويسري، مؤسس علم النفس التحليلي. المترجمة، عن موسوعة ويكبيديا) و”جوزيف كامبل” (كاتب أميركي، باحث في الأساطير. المترجمة، عن موسوعة ويكبيديا)، أن الأساطير النفسية قيلت لأنها تُمثل حاجة نفسية للأفراد كي تُشكّل توازنا بين عالمهم الخارجي وبين وعيهم الداخلي بذلك العالم. يعتقد يونغ بأن الأسطورة كانت جزءًا مهما من النفس البشرية، سمحت لها بإيجاد النظام والمعنى في العالم، لذلك لم تكن الأساطير تُستخدم لتعليم القيم الثقافية فحسب؛ بل أيضا لخلق هيكلية للمجتمع. كانت تلك القصص تدور عادة حول البطل/ البطلة في رحلة استكشاف مصائرهم أو هوياتهم وحل مشكلةٍ ما؛ وهي ذات صلة ثقافية بالجمهور في الوقت نفسه. ويدعو كامبل هذا النمط من الأساطير بــــ”رحلة البطل”. ومن الأمثلة على ذلك “الأمير أوديب” الذي يترك منزل والديه بالتبني بعد أن علم بنبوءة أنه سيكبر ويقتل والده. يُسافر أوديب إلى مكانٍ آخر حيث ينتهي به المطاف بقتل والده الحقيقي الذي تخلى عنه حين ولادته. تلك الأسطورة تُظهِر للجمهور اليوناني القديم عبثية تغيير قدر الإنسان الذي تُحدده الآلهة، وتقودهم إلى الخوف من الآلهة واحترامها وتهيّبها. 

أقدم أساطير العالم

هناك أنواع أخرى من الأساطير منها: “أساطير الأرض الخفية- Chthonic myths”؛ وتدور حول مواضيع الموت والدمار والعالم السفلي، ومصير الإنسان هناك وفق ما جناه في حياته الأولى. في الأساطير الفرعونية كانت “ماعت-Ma’at” آلهة العالم السفلي والقانون والأخلاق والعدالة، وكانت تختار من يدخل ذلك العالم. وحين يموت الناس كانت ماعت تضع القلب في الميزان مقابل ريشة الحقيقة (التي ترتديها عادة على رأسها). فإذا كانت الريشة أخف من قلب المرء كان يُساق إلى موته الثاني. وظهر طائر الفينيق “phoenix” ((العنقاء)) في أساطير عدة حضارات؛ منها الهند ومصر والإغريق. يجري تمثيل الفينيق عادة بهيئة طائر ضخم أو نسر براق المظهر مرتبط بالشمس المشرقة. وبعد حياة طويلة، وحينما يُدرك الفينيق أنه سيموت؛ يُهيئ لنفسه محرقة جنائزية. وبينما تُدمر النار الطائر العجوز؛ يولد الفينيق الجديد.  

لكن أقدم أسطورة في العالم هي أسطورة نفسية تُفسّر رحلة الإنسان للعثور عن معنى لحياته وحتمية الموت.. صيغت “ملحمة كلكامش” (2150-1400 ق.م.) في بلاد ما بين النهرين من قصائد سومرية، تتحدث عن رحلة كلكامش ملك أوروك، الذي يربح في خاتمة المطاف منزلة “شبه إله” في القصة. في تلك الأسطورة كان كلكامش ملكا متكبرا ومتغطرسا؛ حتى رغبت الآلهة بأن تعلمه درساً. أعدّت الآلهة أنكيدو ليصبح خصما لكلكامش، وينخرط الاثنان في صراع.. ولكن حينما لم يتمكن أحدهما من أن يهزم الآخر؛ أصبحا صديقين. لاحقا قتلت الآلهة أنكديو بعدما أهانها؛ ومضى كلكامش؛ الذي كان في ألم وحزن شديدين بعد وفاة أفضل صديق له؛ في رحلة بحثا عن معنى الحياة وعن الخلود. ورغم أنه لم يستطع أن ينال الحياة الأبدية؛ لكنه تعلم الشيء الكثير في مسعاه، وعاد إلى المملكة ملكاً ورجلاً أفضل. 

أساطير الآلهة والخلق

نسجت العديد من الحضارات الكلاسيكية أساطير عن حياة وأفعال الآلهة، تدور أحداثها تلك في أماكن خارقة للطبيعة أو عالم آخر؛ مثل الجنة أو الكون. ويمكن أن تدور في أماكن خيالية؛ مثل جبل الأولمب (موطن الآلهة في أساطير الإغريق). لدى تلك الآلهة تجسيداتٍ لصفاتٍ إنسانية؛ مثل- الجمال والموسيقى، أو للظواهر الطبيعية مثل الرعد أو المطر. واستُخدِم التفاعل بين تلك الآلهة لتقديم تفسيراتٍ لما يقع من أحداثٍ العالم الذي عاش فيه القدماء. ومن الأمثلة هنا أن أساطير الإغريق القدماء فسرت حرب طروادة بخلاف بين ثلاثة من الآلهة! بينما لم تقتصر غاية أساطير الخلق على تقديم تفسيرات ثقافية لبدء المجتمعات أو الكون فحسب؛ بل إنشاء خلفية هادفة ترتبط بالزمن الحاضر. جاء في أساطير قبائل “الهوبي” (الهنود، سكان أميركا الأصليين. المترجمة) أن “المرأة العنكبوت” شكّلت الإنسان الأول من الطين واللعاب، كما جاء فيها وصف نهاية الإنسانية. سردت تلك الروايات كيف كان البشر يتمتعون بإرادة حرة للذهاب ضد ما وجدوا أنفسهم فيه من ظروف، وبالتالي جرى استخدام الأساطير كتحذيرات ودروس رمزية حول كيفية تصرف المجتمع والأفراد الذين يعيشون فيه. 

سمات الأساطير

يرى جوزيف كامبل في كتابه “البطل ذو الألف وجه” الصادر عام 1949 (بحث في الأساطير المقارنة، إذ يطرح المؤلف نظريته عن البنية الأسطورية لرحلة البطل النموذجي في الأساطير العالمية. المترجمة، عن موسوعة ويكبيديا)، العديد من أوجه التشابه للشخصيات والموضوعات والسرد والغرض في أساطير مختلف الثقافات على مستوى العالم وعبر التاريخ؛ التي يسميها “الأسطورة الأحادية-monomyth”. ونتيجة لذلك يمكن إيجاد سمات متماثلة في جميع أنواع الأساطير؛ منها: 

1.  نجد في الأساطير عادة صفات وكيانات خرافية مثل الآلهة؛ الذين يتمتعون غالبا بقوى خارقة للطبيعة. وقد تكون شخصيات غير بشرية بطرق متباينة؛ كأن تكون حيوانات أو كائنات من عالم آخر. 

2.  بما أن الأساطير بمثابة دروس للإنسان؛ فقد اقتضى الأمر روايتها وكأنها حقائق. وكان من المفترض أن تقدم تفسيرات منطقية للمجتمع تجعل الناس يصدقون أنها قصص حقيقية. وأضافت نبرة الخطاب السردي إلى تلك القصص المزيد من أساليب الاعتقاد؛ حينما استُخدمت كوسيلة لشرح أصول أشياء معينة حول العالم. 

3.  تدور الأساطير عادةً في أماكن قديمة جدا، ومشابهة لما هو مألوف للثقافة التي تُروى فيها الأسطورة.

4.  كانت الأساطير طريقة لتعليم القيم الأخلاقية لجمهورها؛ لذا استخدمت اللغة المجازية كوسيلة لاستكشاف وتحليل الأحداث الواقعية.

5.  يلعب الصراع دورا رئيسيا في الأساطير؛ فالتضاد الثنائي بين الظلام والنور والخير والشر وما إلى ذلك موجود في أغلبها.

6.  التغيير والتحولات جزء هام من الأساطير، حيث يمر البطل/ البطلة برحلة تغيير يكتسب في نهايتها منظورا مختلفا للحياة، أو عندما يتحول وحشٌ ما من شرير إلى جيد.

موقع: “ستادي سمارتر- STUDY SMARTER”