دور المنفى في بلورة أفكار برتولت برشت

ثقافة 2024/09/11
...


بهاء محمود علوان*

 بعد وصول النازيين إلى السلطة في عام 1933، كان برشت مدرجاً في (القائمة السوداء) بسبب قربه من الشيوعيين، إذ تم حرق كتبه، وتم كذلك إسقاط جنسيته في عام 1935. وهرب برشت عام 1933 مع عائلته وزميلته (مارغريت ستيفين) عبر باريس إلى مدينة سفيندبورك في (الدنمارك). وفي عام 1937 بدأ العمل في مسرحية (الخوف والبؤس) ومسرحية (الرايخ الثالث)، التي عرضت لأول مرة في باريس عام 1938. كما كتب برشت مسرحيته الشهيرة (حياة غاليليو) في عام (1938).


 وفي عام 1939 انتقل إلى السويد وعاش في مدينة ليدينجو بالقرب من ستوكهولم، وكتب في هذهِ الفترة مسرحية (الإنسان الطيب من سيتسوان). كما قام بنشر مجموعة قصائد بعنوان (قصائد سفندبورك). وفي نيسان 1940 فر برشت من ملاحقة القوات الألمانية النازية إلى مدينة هلسنكي، وكتب هناك مسرحية (السيد بونتيلا وخادمه ماتي)، وكذلك المسرحية الساخرة عن هتلر (صعود أرتورو يوي القابل للإيقاف). وخلال هذا الوقت قدم برشت أيضاً كتابات نظرية أدبية ذات دوافع سياسية، مثل (خمس صعوبات في كتابة الحقيقة). وفي عام 1941 حصل برشت على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وسافر مع عائلته من مدينة فلاديفوستوك في الاتحاد السوفيتي، لكنه لم يحصل على موطئ قدم هناك ككاتب سينمائي للإنتاج في هوليوود. وتمكن من تنفيذ السيناريو الوحيد لمسرحية (الرهائن)، المستمدة من الكاتب (لفريتز لانج)، وكذلك مسرحية (الجلادون يموتون أيضاً)، التي كتبها برشت من دون أن يستمد أفكارها من أي كاتبٍ آخر. وكانت آخر مسرحية مهمة كتبها برشت في المنفى في الولايات المتحدة الأمريكية هي مسرحية (دائرة الطباشير القوقازية)، التي شارك في كتابة موسيقاها الموسيقار (بول ديساو).

بعد وقت قصير من عرض مسرحيته (حياة غاليليو) باللغة الإنجليزية في سانتا مونيكا ومدينة نيويورك في عام 1947، التي ترجمها واقتبسها الكاتب المعروف (تشارلز لوتون)، تعرض برشت لانتقادات بسبب آرائه السياسية حول (أمريكا). وتم بعدها الاشتباه بهِ واستجوابهِ في 30 تشرين الأول عام 1947 أمام لجنة الأنشطة غير الأمريكية بمجلس النواب (HUAC)، برئاسة السيناتور (جوزيف مكارثي). وخوفاً من الانتقام هرب برشت بعد هذا الاستجواب إلى سويسرا مع زوجتهِ (هيلينا فايكل) في اليوم التالي للاستجواب. ومن النصوص النظرية المهمة الأخرى لمسرح برتولت برشت هي مسرحية (الأورغانون الصغير)، التي عُرضت في عام (1948).

طبعت السياسة معظم أعمال برشت المسرحية والأدبية. وكان لكتابات ماركس وهيجل التحليلية بالغ الأثر فيه، فحاول برشت خلال مسيرته الفنية مخاطبة أكبر عدد من الجمهور، لإقناعهم بأهمية تحرير أدوات إنتاجهم من سيطرة رأس المال. وكانت أولى مسرحياته التي لاقت نجاحاً كبيراً هي (أوبرا القروش الثلاثة)، وتضمنت المسرحية نقداً لاذعاً لأوضاع النظام البرجوازي أيام جمهورية فايمر. ومن الطريف أن تلقى المسرحية هذا النجاح والإعجاب من قبل من تعمد برشت انتقادهم. إن مسرحية (أوبرا القروش الثلاثة) هي واحدة من أمهات الأعمال في المسرح الحديث، ويندر أن يوجد مسرح في العالم لم يقدم صياغة لها بشكل من الأشكال.

وبرغم الطابع السياسي لأعمال برشت، نجحت هذه الأعمال نجاحاً باهراً. وكانت مسرحياته الملحمية تسعى إلى تحفيز الجمهور على إمعان التفكير ليكون واعياً ناقداً تجاه ما يراه، وذلك على العكس من المسرح الدرامي أو الأرسطي، حيث يكتفي الجمهور بدور المتابع السلبي. كما تمتد أفكار المسرح الملحمي إلى دور الممثل على خشبة المسرح، في محاولة لتغيير طابع ووظيفة الممثل من مؤدٍ إلى عنصر إيجابي في المسرحية، وكان برشت يدعو ممثليه إلى جعل قدر من المسافة بينهم وبين النصوص، واتخاذ مواقف نقدية منها أثناء أدائهم للدور، وليس فقط تكرار الأدوار بشكل ميكانيكي.

عاد برشت إلى برلين عام 1949 وشارك في تأسيس المسرح البرليني أو (برلينير انسامبل). واصطدمت بعض أعماله مع العقلية البيروقراطية لموظفي الهيئات الثقافية، بل إن بعض أعماله رفضت. في آواخر حياته استطاع تأسيس مسرحه الخاص، وفي تلك الفترة نجح برشت في اجتذاب عدد كبير من المواهب إلى مسرحه، فأصبح المسرح مصنعاً للأفكار الجديدة.

من هم أعمال برشت: 

• بال

• حياة غاليليو

• الأم الشجاعة وأولادها

• دائرة الطباشير القوقازية

• الأم

• السيد بونتيلا وخادمه ماتي

 ويقول كلاوس بيمان، إن المسرح يجب أن يرتبط بالمواقف السياسية، وهذا ينطبق تماماً على مسرح برشت، الذي يتمتع بقدرة على تغيير المجتمع بشكل مباشر. والسؤال هو: ما قيمة العالم بمن دون مسرح؟. 

لقد كان برشت مسرحياً كبيرا من وزن شيلر وليسنك، وقد طمح إلى إنشاء مسرح تنويري، كما أراد أن يفضح الأقوياء ويسقط أقنعتهم. لقد كان في داخله حب كبير للعدالة، كما أنه شعر بنفسه مسؤولا دوماً عن مصلحة المظلومين. ومن المسرحيات السياسية لبرشت تأتي ربما في مقدمتها مسرحية (أرتوري أوي)، التي استمر عرضها أحد عشر عاماً، وهي من إخراج هاينر موللر. وتتناول هذه المسرحية كما هو معروف شخصية هتلر وتلك الفترة التاريخية. وهناك كذلك مسرحية (الأم) التي استوحاها برشت من رواية تحمل نفس الاسم للكاتب الروسي مكسيم غوركي، والتي تروي قصة امرأة سيدة عاشت في فترة روسيا القيصرية وتحولت إلى إحدى الثائرات. وكذلك مسرحية (الأم الشجاعة وأولادها)، تلك المسرحية التي تنتقد الحروب، إذ يستعرض برشت أمامنا مصير من يريد الاستفادة من الحرب، فالأم الشجاعة تفقد أولادها جميعاً وتنتهي إلى مصير بائس. 



المصدر:

Brecht, B. , Flüchtlingegespräche, Verlag, suhrkamp. Frankfurt

* أستاذ الأدب الألماني في جامعة بغداد