محمد غازي الأخرس
في مفتتح فصل من كتاب جديد، تذكرت أول جثة قتيل رأيتها في حياتي. كنت في الثانية عشرة تقريباً حين وجدتني أهرع مع المئات لرؤية الجثة الممتدة في الفضوّة الواسعة قبالة دكان حجي علاوي بجميلة الثانية، تحديداً في المساحة بين نهاية منطقتنا وقطاع (58). كان القتيل يرقد على الأرض، وثمة أنابيب كونكريتية ضخمة تحيطه. كانت أمانة بغداد قد شرعت بتهيئة اللوجستيات الخاصة بمد مجاري الصرف الصحيّ في مدينة الثورة (الصدر) آنذاك. وفي ذلك المساء، قيل إن رجالاً طاردوا قتيلنا بين الأنابيب، ثم أطلقوا عليه النار. ولكن لماذا تذكرته؟ تذكرته لأنني اطّلعت مؤخراً، ضمن ما اطّلعت عليه من وثائق تتعلق بموضوعات كتابي، على تقرير يتكون من (236) صفحة، كتبه نخبة من الباحثين عام 2008، ويتضمن وصفاً تفصيلياً لحالة العراق بعد 2003، ومن بين الفصول، اثنان هائلان عن الحرب الأهليَّة الطائفيَّة التي مرت بنا، أحدهما عن النزوح الداخليّ والتهجير القسريّ، والآخر عن القتل وضحايا الإرهاب والتطهير الطائفيّ. حين قرأت الفصلين ارتعش قلبي واعتمت روحي، وتذكرت جميع القتلى الذين رأيتهم في حياتي ابتداءً من ذلك الشاب الذي تحلقنا حوله، مروراً بمن رأيتهم في حرب إيران، وصولاً لقتلى الحرب الأهليَّة الذين راحوا في لحظة ثمالة طائفية، ثم انتهاءً بشرطي المرور الذي قتل أمام عيني في الصليخ، الذي مرمر أيامي إلى أن عرفت من أحدهم أنه قاتل ومتورط بعشرات الجرائم الطائفية، بالعودة إلى قتيل الطفولة، فإنني لأتذكر جيدا ما تناقله المتجمهرون حينها، لقد قالوا إنه عازف إيقاع معروف يعمل في إحدى الفرق الشعبيّة التي كانت منتشرة آنذاك. الآن، هل كانت تلك الذكرى فألاً سيئاً ؟ ما الذي يعنيه أن تكون أول جثة أراها في حياتي هي لفنان؟
سؤال محزن سأدعه الآن، وأنا عائد إليه لاحقاً.