دار الوارث للإيواء.. واحةٌ إنسانيَّة لفاقدي الرعاية

اسرة ومجتمع 2024/09/22
...

 سعاد البياتي

من أبواب الخير والرحمة، أبواب سيد الشهداء المشرعة بالعطاء اللامحدود، هناك واجهة حقيقية لمعنى الإنسانية بقوتها ووضوحها (دار الوارث للإيواء والتأهيل المجتمعي) التابعة للعتبة الحسينية المقدسة لاحتواء المشردين والفاقدي الرعاية الأسرية من الجنسين والمتسولين وغيرهم ممن فقدوا الدفء الأسري الكائن في كربلاء العطاء.

«أسرة ومجتمع» حطت أوراقها في الدار والتقت مديرها (حسين النصراوي) متحدثاً بالقول:
« مشروع دار الوارث للإيواء والتنمية الاجتماعية أنشئ بتوجيه من سماحة المتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في العام 2017، بعد أن تزايدت أعداد المشردين والمتسولين نتيجة العنف والتفكك الأسري، موجهاً بضرورة الاهتمام بهم وتوفير بيئة مناسبة لتأهيلهم، فضلاً عن الأيتام ومجهولي الهوية القانونية من كلا الجنسين وكل على حدة، إذ وفرنا قاطعاً متكاملاً للفتيات، متضمناً لجاناً بحثية وطبية خاصة، فضلاً عن التأهيل المجتمعي الذي تديره متخصصة في علم النفس، وآخر للفتيان بالمواصفات ذاتها، وقد وفرت الدار لهم كل مستلزمات الراحة والعلاج والتأهيل الصحي والتعليم ، ليصبحوا ذوي سلوك حسن وقوي ويشعروا بالأجواء الأسرية، ممن تتراوح أعمارهم بين ستة أعوام وأربعة عشر عاماً».

خدمات متنوعة
وبشأن أعداد ساكني الدار، أوضح النصراوي «لا يوجد عدد ثابت يمكن حصره هنا، يمكننا اعتماده، فالدار ليست للإيواء فقط، بل للتأهيل المجتمعي والصحي الذي لا يمكن تجاهله مطلقاً بمعنى تزورنا أعداد كثيرة من الحالات النفسية والتربوية التي لا بد من إيجاد طرق لإعادة اندماجها في المجتمع، لتحظى ببيئة أسرية مثالية وتعليم وصحة جيدين.
وفرنا العديد من الاحتياجات التي من الممكن أن تكون طبيعتها ذات قيمة للمستفيدين، فاستحدثت لجنة التشريفات المختصة بأعمال الاستقبال والضيافة والخدمات، ولجنة الإدارة والمالية المختصة بالانفاق على الدار والمستفيدين، ولجنة الصيانة المختصة بالأعمال الميكانيكية والكهربائية في الدار ولجنة السائقين المتكفلين بايصال المستفيدين إلى مدارسهم أو أي مكان يستوجب ارسالهم إليه، وكذلك توجد في الدار لجنة طبية مختصة باجراء فحوصات شاملة على المشرد في مستشفى زين العابدين التابع للعتبة الحسينية للتأكد من عدم إصابته بأمراض انتقالية أو معالجته، إن كان مصاباً بأمراض مزمنة أو غيرها».

برامج تأهيليَّة
كما وفرت الدار حسب مديرها النصراوي «قاعة للألعاب الرياضية بمختلف أنواعها ومسمياتها، والألعاب الالكترونية لتمكينهم من رسم سياسة صحيحة لهواياتهم وتدريبهم على حياة عملية وعلمية تكون قد أثرت بشكل كبير في مستقبلهم الآتي وتغيير نمط الحياة الذي كانوا عليه سابقاً، وتدريب ميولهم بإشراف أساتذة متخصصين بالتربية الرياضية، وفي الدار أيضاً رسامون قاموا بعمل ورش واكتشفوا المواهب، ممن بإمكانهم أن يصبحوا تشكيليين ماهرين، كما أخذت الدار على مسؤولياتها ونظامها المعد للتعليم الإلزامي والمسرع أيضاً لمن تأخر عن الالتحاق بالمدرسة، وحالياً يدرس أكثر من 34 مستفيداً في المدارس ومنهم من وصل إلى الدراسة المتوسطة، وتكفلت لجنة التعليم بتوفير أساتذة متخصصين متطوعين يقومون باعطائهم دروس تقوية أو مراجعة الدروس بعد عودتهم من المدارس على غرار ما تفعله الأسر، وكذلك يمنحون دروس التنمية البشرية والدينية، وأخذت الدار على عاتقها إقامة سفرات ترفيهية لإعادتهم إلى الحياة الطبيعية، وجعلهم أفراداً أكثر نشاطاً وفرصاً في تغيير نمط حياتهم وتفكيرهم.

لطفٌ إنساني
حالات وقصص مؤلمة نجدها في دار الوارث للإيواء، تحدثت إحدى المستفيدات بخجل وتردد  قائلة: أبلغ من العمر اثني عشر عاماً، توفيت والدتي وتزوج أبي، عشت مع زوجة أبي بطمأنينة مذ كان عمري ثماني سنوات، وبعد أن أنجبت ولدين، أصبحت مهمشة وغير مرغوب بي (وحسب قولها) عانيت من القسوة وقلة الاعتناء والاهتمام، حتى أقنعوني بترك المدرسة والمكوث في البيت للعمل البيتي ومساعدة زوجة أبي، وحينما عانيت من قسوتها وشدة بأسها في
إذلالي تركت البيت، وبفضل الله سبحانه وتعالى ولطفه اتجهت إلى العتبة الحسينية المقدسة التي أخذت بيدي وبعلم والدي إلى هذه الدار التي كانت بمثابة أسرتي الثانية، إذ عدت إلى الدراسة ومارست هوايتي المفضلة في الرسم، واستعدت عافيتي وإنسانيتي بإنسانيتهم.  

موهبة
ومن مجموعة المتواجدين والمستفيدين الذين فقدوا الرعاية الأسرية، رصدنا موهبة جميلة لمصور صغير يهوى التصوير الفوتوغرافي ويعشق الكاميرا، إلا أنه يستخدم كاميرا الموبايل ويصور أشياء بسيطة كالحصى وأوراق الأشجار ليحولها إلى لقطات فنية مؤثرة وذات احساس كبير، وغيره الكثير من المواهب والهوايات التي وجدت في دار الوارث واحة خصبة لمجمل تفكيرهم ومتطلباتهم، لتتلاشى المتاعب والمتاهات في روعة ودفء هذا البيت لضمان مستقبلهم الذي كان مجهولاً.
الحكايات وفيرة، معظمها فيها الكثير من الأسى والمعاناة، لذا ومن باب الاحتفاظ بتفاصيلها، وما لمسناه من رعاية واهتمام من لدن دار الوارث للإيواء بالمتواجدين كافة، فلا مجال لرواية قصص أخرى عنهم.