تعليق مقتضب

ثقافة 2019/06/21
...

د.عبد الواحد مشعل
إن الإبحار في كتاب مهم {الخضوع السَّني والإحباط الشيعي} لمؤلف قدير مثل المفكر الدكتور فالح مهدي، يجعلنا نواجه صعوبة علمية في إيجاد تحليل نقدي متكامل الأركان يتصدى إلى مجمل الأفكار واذرعها المتعددة التي أوردها في كتابه
، ألا أن هذا التعليق هو بمثابة فكرة محددة، لاسيما وان مزية هذا الكتاب تصديه لموضوع  معقد بأدوات العلوم الاجتماعية المعاصرة، وهذا بحد ذاته تحدي  علمي ، وفي هذا المقال القصير الأمر يستلزم أن يكون عرض الموضوع مقتضبا متضمنا إبراز وجهة نظر قد تكون  متفقة أو مختلفة مع محتواه.فالمؤلف ينطلق من زاوية فكرية ترسم ملامح مراحل تاريخية تتعلق بقضية الفرق الإسلامية والتفسيرات التي انطلقت منها، والتي أحاطها الكثير من الجدل، فهنالك الخضوع السني بتجلياته الفقهية ذات المنحى المحافظ ،
والإحباط الشيعي وكوامنه الثورية، ولكل منهما أسبابه وثقافته التي تبلورت ضمن بيئات طبيعة واجتماعية وسياسية خلقت لنا صورة من الجدل التي قادت الباحث إلى التساؤل عن سبب الدموية في تاريخهما ،ونقطة الخلاف معه هنا محاولة ربط ذلك بالإسلام
، والفكرة التي تمثل الرد على التساؤل أعلاه يمكن في أصل فكرة الإسلام نفسها، والتي أسس الرسول(ص) بموجبه دولته في المدينة المنورة  على أسس مدنية وليست دينية
، إذ فهم القرآن الكريم فيها بلغة عربية واضحة  وعلى أساس (لا ترادف في القرآن الكريم)
، عكس ما ذهب إلية أصحاب الاتجاه الذي يقر بالترادف ما جعلهم يصلون  إلى تفسيرات متعددة
، ولعل الإشكالية تكمن في هذا، وما نتج عنه من اختلاف ثم ظهور الفرق  الأمر الذي جعل الباحث بغوص في مثل هذا الموضوع الشائك
، ولو  أراد الباحث البحث  عن سبب تأخرنا  ، لانطلق أساسا من جانب منهجي معاصر قائم على  أساس  فكرة لا ترادف في القرآن الكريم، وفسر ذلك بأدوات معاصرة،لوجد الجواب أسرع من اعتماده على نفس الأدوات في بحث الفرق وأسباب التأخر والصراع وحالة الخضوع والإحباط  ، وما يحتاجه العقل المسلم اليوم كي يتطور ويتقدم، واعتبار كل تأسيس خارج ذلك (سياسة) ، لاسيما انه نفسه  يقول أن دراسته تعني  الأيديولوجية السياسية وليس العقيدة، وهذا  يقودنا إلى نقطة جوهرية توحي أن الموضوع نفسه غير موجة إلى الإسلام ،وإنما لحالة اختلاف سياسي أو جدل فلسفي. 
ليتفق الجميع مع الحقيقية العلمية التي مفادها أن ما جاء به القران من معرفة وقوانين وتاريخ معرفي تدرجي للإنسانية حتى وصلت ما وصلت إليه من تقدم ومعرفة إنما يمثل قيمة وستراتيجية للرسالة المحمدية ومردوها الحضاري على الإنسانية جمعاء، ولكان عندئذ الجواب واضحا على السؤال  الذي ظل متكررا حتى يومنا هذا،(لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا) .
والذي ظل جوابه غائبا عن عدد كبير من المفكرين  والباحثين العرب،كما أشار الكاتب في مؤلفه، منتقدا مناهج الكثير منهم باعتمادهم  فكرة الأحادية  في تأسيس نظم الدولة والتي مثلت صورة متكررة في التاريخ الإنساني سواء القديمة عند حضارة الرافدين أو الفراعنة أو الفرس أو الهند أو الصين ، وإذا أردنا أن نعلق على هذه الفكرة ،
فنقول أن ما ورد في القرآن الكريم من قصص الأنبياء إنما كان يمثل تاريخ البشرية الذي اتسم بتطور معرفي اكتملت حلقاته في رسالة الرسول محمد(ص) ويظهر هذا في إشارة المؤلف إلى  كون الإسلام بني على من سبقه من الحضارات الإنسانية القديمة حتى انبثاقه  فهو يؤكد القول أن الصيرورة الحضارية تطورية في خطها المعرفي وهو ما ذهبت إليه النظرية التطورية الانثروبولوجية في تصورها العام عن تطور الإنسان في مساره الاجتماعي والسياسي والتقني، وان هذا التطور أكيد يحمل في مراحله إشكال نظم اجتماعية  وسياسية واقتصادية ترسم ملامح إي حضارة تولد فيها ،
وهو يمثل جانبا تطوريا متقدما، فالله تعالى لم يعد متدخلا كما كان الأمر في زمن سيدنا موسى - على سبيل المثال- عندما كانت المعرفة لا تسعف الإنسان في حل مشكلاته
، ولعل الإجابة عن سبب تأخر مدننا إنما تكمن في ابتعادنا عن خط المعرفة  الذي خطه القرآن الكريم بآيات بينات واضحة لا لبس فيها، وما عدى ذلك من دموية وتخلف وصراع، فهو من صنع البشر 
أنفسهم.
 ولعل ذلك يتفق مع ما ذهب إليه المؤلف في ثنايا كتابه من أن الأيديولوجية لبست لباس الدين فزاد الاختلاف ،والتناحر، وسفكت الدماء، فالمسألة  بكاملها سياسية. وان هذا يجعلنا نؤكد فكرتنا من أن المعرفة الإنسانية اكتملت جميعا بمجيء الرسالة المحمدية التي تمثل في جوهرها قوانين يتبعها المجتمع الإنساني اليوم.