عبد الزهرة محمد الهنداوي
يُعدّ الطحين المادة الاستراتيجيَّة الأولى في السلّة الغذائيَّة للفرد، في بلدان العالم كلّها، وغيابها أو فقدانها أو نقصانها، لأيِّ سبب كان، معناه أننا سنكون أمام مشكلات واضطرابات كبيرة وخطيرة، والحديث هنا على نحو العموم، لذلك فإنَّ الدول تبذل كلَّ ما في وسعها لتأمين الخبز للناس.
وتمرّ عملية صناعة الخبز بسلسلة من المراحل والمحطات قبل وصولها إلى المستهلك، أولاها تتمثل بزراعة القمح، وتكون الحال أفضل لو كان الإنتاج المحلي يسدّ الحاجة الاستهلاكية للناس، دون الحاجة للاستيراد من دول أخرى، في ظلِّ ظروف عالمية مضطربة، أمنياً وسياسياً واقتصادياً وصحياً.. إلخ، وبالتأكيد أنَّ عملية الزراعة تتطلب دعماً واسعاً، لضمان ديمومتها، كما تفعل الحكومة العراقية اليوم، عبر قيامها بشراء الحنطة من المزارعين بأسعار تصل إلى أكثر من ضعفها في البورصة العالمية، فضلاً عن دعم توفير الأسمدة والمكننة ومرشات السقي الحديثة ومنح القروض الميسَّرة للفلاحين، وهذا يكلف الخزينة أموالاً طائلة، ولكننا إزاء قضية الأمن الغذائي، يجب تأمينها، ثم المحطة الثانية وهي محطة تحويل الحنطة إلى طحين لتلبية متطلبات الاستهلاك.
وفي العراق هناك (323) مطحنة، للقطاع الخاص حصة الأسد منها الذي يمتلك (306) مطاحن، بينما يمتلك القطاع العام (17) مطحنة فقط، ولكن في المقابل، يُشْكِلُ أهل القطاع الخاص على الحكومة أنها تدعم مطاحنها، على حساب مطاحنهم، وهذا تسبَّب بتوقف بعض من تلك المطاحن، وتوقفها يعني تسريح العاملين فيها، وهذا بحد ذاته يمثل مشكلة لا يستهان بها.
وزارة التجارة تقول إنها تعمل وفق ضوابط ومعايير أساسية لا يمكن تجاوزها، ترتبط بالجوانب الفنية، والغذائية، فضلاً عن ارتباط عملية الطحن باستخراج مادة (النخالة) التي تمثل مادة علفية مهمة للمواشي، وأسعارها ليست رخيصة، إذ يصل سعر الطن إلى 300 ألف دينار، وبالتالي ينبغي أن تكون هناك حالة من التوازن بين الأمرين.
ومن هنا فإنَّ مقتضى الحال يستدعي رسم سياسة واضحة لإدارة قطاع المطاحن الذي يهيمن القطاع الخاص على نسبة
90 % من مساحته، سياسة تنسجم مع الواقع العراقي، خصوصاً في ما يتعلق بالأسر الفقيرة، وضرورة ضمان سلتها الغذائية، والتوجه إلى دعم المخابز والأفران، التي تغطي أكثر من 60 % من استهلاك الناس من مادتي الخبز والصمون، لأنَّ أغلب الناس لا يتسلمون مادة الطحين، بل يقومون ببيعها إلى الوكيل الذي بدوره يقوم ببيعها في الأسواق المحلية، ليشتريها أصحاب المخابز والأفران، وهذه قضية مهمة يجب التوقف عندها.
خلاصة القول أنَّ قطاع المطاحن يُعدّ من القطاعات الحيوية والمهمة، لأنه يرتبط بنحو مباشر بقوت وغذاء الناس وبنحو يومي، وهذه المطاحن هي التي توفر مادة الطحين، ضمن برنامج الحصة التموينية، فضلاً عن الطحين التجاري، ومثل هذه الأهمية تتطلب المزيد من الدعم، وتوفير أفضل الظروف لعملها، مع التشديد على ضبط معايير الجودة، وضمان نوعية طحين جيدة، يمكن الاستفادة منها، مع السيطرة على منافذ بيع الطحين إلى مربّي المواشي، لاستخدامه كعلف حيواني، لكونه أرخص من مادة النخالة، وانخفاض سعره ناتج من عملية الدعم الهائلة التي تقدمها الحكومة، فالكلفة الحقيقية لكيس الطحين الواحد تصل إلى نحو (65) ألف دينار، في حين يصل إلى المستهلك عبر وكلاء البطاقة التموينية بكلفة تكاد تكون مجانية.