اللحية الحمراء الطويلة وقصّة أخرى

ثقافة 2019/06/22
...

روي مانويل أمارال
ترجمة جودت جالي
اللحية الحمراء الطويلة
عندما دخل (زوربين ريموندي) المقهى انفجر الجميع بالضحك. إن له دائما هذا التأثير على الناس، فحيثما ظهر لا يلبث أن يبدأ كل واحد بالضحك ويؤشر بإصبعه عليه. سار عبر الغرفة والقى بنفسه على الكرسي الأخير منتظرا بصبر أن يهمد الضحك، وكعادته لم يتبادل الكلمات مع أي واحد. مسح بالمنديل رقبته، وأذنيه، والنهاية المقوسة لأنفه، فقد كانت كلها ناقعة بالعرق. بعدها احتسى البيرة، ودفع الحساب، وغادر وسط ضحك عام. 
لم يستطع زوربين أن يفهم ما الملفت فيه والذي يجذب كل هذا الانتباه ويثير في الآخرين مرحا كهذا لا يمكن السيطرة عليه، ولأنه كان يكره بشكل خاص أن يكون ملحوظا فقد كان يتحدث قليلا، وحين يخاطب الناس فإنه يجفل حتى من سماع صوته. 
في الليل، وهو منعزل في غرفته، راح في البكاء يخنقه الشعور الرهيب باليأس ويردد مع نفسه: “لا.. لا...لا!” شاداً شعر رأسه وعيناه مقلوبتان في محجريهما. ثم فجأة، كما لو كان الأمر نتيجة تركيز على المشكلة، شعر بأنه وقع على طريقة يضع بها نهاية لكل هذا. أمسك شفرة بحركة خاطفة وحملها بمستوى رقبته، وشرع بحلاقة اللحية الحمراء الطويلة التي رافقته سنوات طويلة، وهكذا، بذقن حليق تماما، خرج الى الشارع، وفعلا جاء هذا الإجراء بنتيجة فلم تطالعه ابتسامة واحدة، ولا حتى إيحاء بسخرية بل رأى تعابير جدية، قلقة، وحتى حاقدة، في المكتب، وفي الحافلة، وفي المقهى، وفي كل استدارة. خلال الأسابيع التالية كف عن أن يكون مرمى للنكات أو موضوعا لحديث مسل. لم يعد يلاحظه أحد. أصبح زوربين ريموندي يُعامل كأي شخص آخر غارق في مستنقع الحياة الحقير، ومهما سعل بصوت عال أو ضرب المنضدة بيده في المقهى فلا يوليه أحد أقل اهتمام، ولذلك جعل لحيته الساحرة الحمراء تنمو بأسرع ما يمكن لكي ينعم عليه القدر من جديد بنوع ما من الإذلال. لكن شيئا من هذا لم يحدث. لقد تعلقت به اللامبالاة ولم تفلته أبدا.
قصة رجل فقد روحه في مقهى
يذهب خوزيه أوغستو الى المقهى بعد مغادرته العمل كعادته. يشرب كأسا أو كأسين من البيرة، وربما ثلاثة، ما المانع! حتى في الثالث هو في أحسن حال. يتصفح الجريدة ويحدق بالنساء الممتلئات العابرات. لا شيء مهم بشكل خاص. ثم ينهض، ويداه في جيبيه، ويصفر وهو في طريقه الى البيت. في البيت يدرك أنه ترك روحه في المقهى. يستولي عليه الغيظ لأنه قد نزع حذاءه ولبس الشبشب، ولأن زوجته تغم نفسه، فهي مقتنعة أن الروح المفقودة ليست أكثر من ذريعة له ليقضي الليل خارجا يشرب البيرة وحتى، من يدري،  ينخرط في شيء آخر كليا.
على أية حال، يعود خوزيه أوغستو الى المقهى، ويبحث عن روحه فوق المنضدة حيث كان يشرب، ولكن لا يجد شيئا على المنضدة ولا على الكراسي. يقول له المستخدمون بأنه إذا كانت روح قد تُركت هناك فلا بد أن يلاحظوها. بعد كل شيء ليس من السهل أن تذهب الروح دون أن تُلاحظ. ولكن كما تقتضي الحالة لم ينسوا أن يذكروه بأنه في هذه الأيام لا يمكنك الوثوق بأحد، ومن الممكن أن زبونا آخر انسل على عجل معها ليفعل ما لا يعلمه إلا الله. استسلم خوزيه أوغستو لحظه السيء وتوجه عائدا الى البيت بدون روحه وهو يطلق تنهدات وآهات لا حصر لها. حدث كل هذا منذ بعض الوقت، ولكن حتى اليوم يشعر خوزيه أوغستو بنوع من الألم الحاد في المكان الذي يفترض أن تكون روحه فيه. خصوصا خلال موسم صيد طائر التدرج. أم هو طائر الحجل؟ كلا، هو التدرج. 
 
المصدر 
Best European fiction 
روي مانويل أمارال كاتب برتغالي ولد سنة 1973 بمدينة أوبورتو حيث يعمل ويعيش الآن. صدرت له مجموعتان قصصيتان وهو مؤلف كتب عديدة في التاريخ والتقاليد الشعبية لمسقط رأسه.