غيداء البياتي
لم أجد فرصة كافية للبحث عن الأسباب الحقيقية التي دفعت أجدادنا الآشوريين إلى إعطاء الاهتمام الكامل للزراعة في بلاد الرافدين، وجعلها غنية بالأراضي الزراعية، لكنني أعرف تماماً، لماذا عمد الفلاحون حتى عقود قريبة إلى الاهتمام بحراثة الأرض وزراعتها، فهو ذلك الارتباط الروحي الوثيق بأرضهم ومهنة آبائهم وأجدادهم، وهم يدركون تفاصيل هذه المهنة ويجيدون التعامل مع الأرض، وهذا طبيعي لأن أغلب الأسر في المناطق الريفية تعتمد في غذائها ومعاشها على ما تنتجه الأرض، لكن ما استغربه هو أنه بالرغم من التطور والحداثة وتغير معطيات الحياة، فإن المرأة الفلاحة لا تزال لغاية اليوم تتحمل مع الرجل أعباء الحراثة والتسميد والبذر والسقي، فما رأيته في إحدى المزارع بمنطقة الراشدية القريبة من بغداد خلال زيارتي لأحد الأقارب هناك، أن عدداً غير قليل من النسوة يواصلن العمل في الزراعة ويحملن المحاريث «الكركات» ويحرثن الأرض ثم يبذرن البذور!.
نعم راقبتهن عن كثب مستغربة عملهن المستمر من دون اعتراض أو تذمر منذ طلوع الشمس حتى مغيبها، مرة في مراعاة الأولاد وتدبير شؤون المنزل وأخرى في توفير الغذاء للدواجن في المزرعة، وعمل ثالث في حلب الأبقار، ورابع في الحقل للزراعة، وخامس في السقي، وسادس في متاعب الحياة، وسابع في كل هذه الأماكن مجتمعة، أما الرجل في المناطق الريفية وحتى المدنية يحرص دائماً على أنه هو الرجل صاحب الكلمة والعمل، القوي البنية، والمتين العظم والمفتول العضلات، الآمر والناهي.
القضية وما فيها أنني تبادلت أطراف الحديث مع إحدى الفلاحات، فوجدت أنها لا تمتلك الحق في أن تتعب أو تمرض أو تمتنع عن الذهاب إلى الحقل أو حتى أن تسافر، وليس لها الحق أيضاً في أن تصطحب أسرتها في نزهة إلى النهر، هذا كله وهي راضية مرضية بقدرها، لكنني اكتشفت ما هو أسوأ من ذلك، فزيادة على هذا كله، هذه المرأة الريفية تقطع مكرهة بعض الوقت من ساعات راحتها لتدفع عربة صغيرة إلى الشارع وتقف مع طابور الأرصفة لتبيع بعض ما حصدته من «الخضرة» للمارة لترضي جشع التجار وحرائق الأسعار!. ما أريد قوله هو أن على الحكومة أن تعطي اهتماماً أكبر للمرأة الريفية؛ لأن لها دوراً حاسماً في التنمية الزراعية، والحد من الجوع ونجاح جدول أعمال التنمية المستدامة، خاصة أن يوم 15 من الشهر الحالي يصادف الاحتفال باليوم الدولي للمرأة الريفية، ولعل أقل تقدير لدورها هو الاسهام في نشر الوعي والقضاء على الفقر في الأرياف.