{عاصمة البرق في العالم}.. هل تستثمرُ لخدمة الإنسان؟

علوم وتكنلوجيا 2024/10/17
...

 أنجي رودريجيز، لوني شيختمان 

 ترجمة: مي اسماعيل

تضرب عاصفة رعديَّة مذهلة نحو ثلاثمئة ليلة سنوياً منطقة "كاتاتومبو- Catatumbo"؛ حيث يتدفق نهر كاتاتومبو إلى بحيرة ماراكايبو في فنزويلا.. يثور البرق عبر السماء في منطقة "برق كاتاتومبو" المعروفة، وهي ظاهرة وصفها أحد سكان المنطقة بمنظورٍ شِعري قائلا: "إنه أمرٌ استثنائيٌّ بالنسبة لي؛ إذ أتصور الليل كأنه وجه جميل داكن في ما يبدو البرق ابتسامة وسط الليل".

هذه الظاهرة الطبيعيَّة المذهلة هي حصيلة امتزاجٍ فريدٍ بين الكتل الهوائيَّة الدافئة والباردة؛ وتبلغ العواصف من القوة بحيث يمكن رؤيتها من على بُعد كيلومترات عديدة. فتراها مدينة كوكوتا الكولومبيَّة من على الخط السريع لمدن جواناري وباريناس الفنزويليَّة، الواقعة جنوب جبال ميريدا. يحدث برق كاتاتومبو في موسمٍ يمتدُّ غالباً بين شهري نيسان وتشرين الثاني؛ فيجري تسجيل نشاطٍ كهربائيٍ عالٍ خلال نحو 95 بالمئة من فترات الليل. وقد تدوم عواصف البرق تلك نحو عشر ساعات أحياناً، وتُنتِجُ نحو تسعين ومضة برق خلال الدقيقة

الواحدة.

جرى رسمياً تسمية كاتاتومبو "عاصمة البرق في العالم"؛ والاعتراف بأنَّها المكان الذي ينال أعلى تركيز من صعقات البرق على وجه الكوكب. كانت قرية كيفوكا في جمهوريَّة الكونغو الديمقراطيَّة قد حملت سابقاً هذا اللقب. ومع أنَّ منطقة كاتاتومبو تنال أكثر من 200 صاعقة برق لكل كيلومترٍ مربعٍ سنوياً؛ فإنَّ منطقة كيفوكا تنال 158 صاعقة فقط.


"مصنع أوزون" الطبيعة

كان العالم الفرنسي "جان بابتيست جوزيف ديودونيه بوسينغولت" أول من رصد هذه الظاهرة منذ نحو مئتي عام. ووفقاً لما تقوله إدارة الفضاء الأميركيَّة "ناسا" فإنَّ الطاقة الكهربائيَّة المتولدة من تلك العواصف تكفي نظرياً لتجهيز نحو مئة مليون مصباح كهربائي، كما أنَّ عشر دقائق فقط من ذلك البرق تكفي لإضاءة قارة أميركا الجنوبية بأكملها! 

يؤكد الكثير من الباحثين أنَّ تلك المنطقة تتلقى أعلى كثافة من النشاط الكهربائي على مستوى العالم، مغطياً نحو مئتي كيلومترٍ مربعٍ. وبما أنَّ البرق يلعبُ دوراً في إنتاج الأوزون؛ فقد تعارف الناس على تسمية برق منطقة كاتاتومبو بـــ"مصنع إنتاج الأوزون". ورغم أنَّ الأوزون المتولد نتيجة لتلك العواصف حقيقيٌ بالفعل؛ لكنَّه يبقى ضمن الطبقات السفلى من الغلاف الجوي ولا تصل إلى طبقة "الستراتوسفير" الجويَّة العليا. ونتيجة لذلك فليس من المُحتمل أنْ يُسهمَ برق  كاتاتومبو بإعادة تجديد طبقة الأوزون التالفة التي تحمينا من أشعة الشمس فوق البنفسجيَّة الضارة.

تطلب الأمرُ من العلماء جمع المعلومات لنحو ستة عشر عاماً حتى يجري تثبيت منطقة كاتاتومبو بصفتها عاصمة البرق عالمياً. قادت طوبوغرافيَّة الأرض والمناخ حول منطقة بحيرة ماراكايبو؛ الحار والرطب المختلط بالنسيم البارد القادم من جبال الأنديز القريبة؛ أنْ تصير تلك المنطقة وجهةً مثاليَّة للعواصف الرعديَّة. تكاد تلك العواصف المحيطة بقارة أميركا الجنوبيَّة تحدث كل ليلة تقريباً (نحو 297 يوماً سنوياً)؛ وفقاً لإحصائيات الباحثين في شؤون البرق الذين نشرت مكتشفاتهم "الجمعيَّة الأميركيَّة للأرصاد الجويَّة"، إذ تقول: "إنَّ هذه العواصف الرعديَّة محليَّة جداً، وتطورها المستمر في مكانٍ واحدٍ يُفسّر كثافة معدل الوميض

العالي".

وللوصول الى تلك الحقائق عن المنطقة؛ جمع العلماء بيانات عن طريق جهاز "استشعار التصوير البرق" الموجود على متن قمرٍ صناعيٍ ضمن مهمَّة قياس الأمطار الاستوائيَّة التابعة لوكالة ناسا. يتابع هذا المُستشعر الضوء القريب من الأشعة تحت الحمراء لالتقاط الومضات التي تحدث أثناء النهار. ويقول "دانيال سيسيل" من علماء ناسا المختص بدراسة البرق: "تلتقط المستشعرات صوراً تحديثيَّة سريعة جداً؛ وبذا تقوم بقياس منظر الخلفيَّة، وبمواكبة التحديثات تقوم بقياس أي تغيُّرات مفاجئة ضمن درجة السطوع من الخلفية".. فإذا ظهرت تلك التغيُّرات يقوم المُستشعر بتسجيلها على أنها ومضة برق. 


الأسبقية على أفريقيا

عُرِفَت منطقة بحيرة ماراكايبو من زمنٍ بعيدٍ بوفرة حدوث البرق فيها، وقبلها كان حوض الكونغو وسط أفريقيا يُعدُّ هو مركز العواصف الرعديَّة؛ استنادا إلى بيانات جُمِعت بواسطة الأقمار الصناعيَّة خلال سنوات (1995 – 2000). أما تحوّل الاهتمام الى برق فنزويللا فكان اعتماداً على بياناتٍ جُمعَت خلال فترة أطول من الزمن امتدت بين سنوات (1998 – 2013).

قال "ريتشارد بلاكيسلي" مدير جهاز استشعار البرق من مركز مارشال لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا: "يمكننا الآن مراقبة كثافة معدل وميض البرق بتفاصيل دقيقة للغاية على نطاقٍ عالمي". لكنْ وفقاً لدراسات حديثة فإنَّ أفريقيا ما زالت تضمُّ ستاً من عشرة مواقع ينشط فيها حدوث البرق؛ وهي تميل للتركُّز قرب خط الاستواء ويضرب البرق فيها الأرض بدلاً من البحر.

يُخطط الباحثون لإرسال جهاز استشعارٍ جديدٍ لتصوير البرق إلى مدارٍ ثابتٍ جغرافياً فوق خط الاستواء، لكي يتتبع العواصف أثناء تحركها عبر الكوكب.


موقع {CO1OMBIA}، 

كريستيان ساينس مونيتور