الارهاب وتأثيراته في سكان المناطق المحررة

آراء 2019/06/24
...

د. سلمان علي الاعرجي
احداث الحادي عشر من ايلول 2001 افرزت نمطاً جديداً من الارهاب يمتاز بصعوبة مراقبته ومنع انتشاره وردعه ويعود سبب ذلك إلى:
أ- التنظيم: الارهابي الذي نشهده اليوم يتجاوز الصيغ التنظيمية (الهيراركية) التقليدية إلى شبكة من الخلايا الخفية المنفصلة المرتبطة بنظام اتصالي معقد حفاظاً على اقصى مرونة هجومية ممكنة.
ب- تعدد الوسائل والاساليب التي لا يتم استخدامها اعتماداً على المصادفة بقدر ارتباط ذلك بظروف البيئة التي تُيسر أو تسمح بتعاطي اسلوب دون اخر أو ربما الجمع بين أكثر من اسلوب.
ج- غموض الهدف السياسي، إذ اشارت العديد من التقارير والدراسات المتخصصة ومنها تقرير (لجنة بريمر) التي شكلها الكونغرس الاميركي لدراسة ظاهرة الارهاب، الى ان من أبرز التحولات التي شهدتها ظاهرة الارهاب هي ان جماعات الارهاب (الجديد) تتسم بغموض الهدف السياسي ولعل في ذلك دلالة خطيرة تفيد أو تؤشر (البعد الفوضوي الهدّام للإرهاب).
د- الحدود المفتوحة: ان ارهاب ما بعد الحادي عشر من ايلول ارهاب عابر أو متعدد الجنسيات... عابر للحدود لا تحده منطقة أو قضية أو جنسية هو ارهاب (هلامي) أو (اميبي) ان صح التعبير يجتمع على ايديولوجية دينية أو سياسية محددة وله قدرة عالية على الايذاء والتعبير المكثف لكراهية الاخر ورفضه واستهدافه على نطاق مخصص أو واسع... هو ارهاب عابر للقارات ومدرّب على استخدام منظومات تسليح متقدمة بما في ذلك بعض الاسلحة فوق التقليدية.
هـ- التأثيرات السايكولوجية وبغية مضاعفة تأثير الفعل الارهابي فان موجة الارهاب الجديدة تعتمد وبشكل غير مسبوق على الجانب الدعائي والاعلامي القائم على الرمزية ذات الدلالة التي لا تقل عن أهمية فعل الارهاب ذاته خاصة ونحن نعاصر عصر المعلوماتية ومواقع التواصل الاجتماعي الحاشدة.
و-ان كثيراً من الارهابيين الجدد يمارسون اعمالاً الى جانب الفعل الارهابي اي انهم ليسوا متفرغين تماماً لهذا الفعل، كما كانت الاجيال الاولى من الارهابيين وخاصة النخب القيادية منهم، وهذه الخاصية قد ساعدتهم كثيراً على التشتت بين جموع الناس وابعاد الشبهة وامكانية الرصد والمتابعة عنهم وتوجد امثلة واسماء عديدة تظهر فجأة كقيادات للمنظمات الارهابية من دون ان تلحظ المجتمعات التي كانوا يعيشون فيها اي نشاط أو تشخيص قبل الظهور العلني لهم. 
ح- اعتماد مبادئ اللاتماثل او اللاتكافؤ في الحرب والصراع. بمعنى السعي لتجنب نقاط قوة الخصم واستغلال نقاط الضعف واعتماد الاساليب غير التقليدية والتفكير غير المتوقع وغير المعقول والحرب النفسية وما يصاحبها من شحنات الصدمة والعجز.
وإذا كان الامر كذلك فمن السهولة بمكان تصور مدى الصعوبة التي ستواجهها دولة ما تتعرض للإرهاب في مواصلة برامج عمل حكومتها في الميادين المختلفة، وستزداد الصعوبة تفاقماً لتصبح معضلة حقيقية، اذا كانت هذه الدولة في طور البناء أو التحول، خصوصاً في اعقاب الحروب الضروس، فمثل هذه الدول احوج ما تكون الى مناخات مناسبة من الاستقرار والامن والتلاحم الوطني بين مكوناتها لتجاوز محن الحروب ونتائجها والوقوف مجدداً على عتبة الحياة والنمو. ولذلك، وبتطبيق ما تقدم على حالة العراق، فان الارهاب كانت له تأثيراته الواضحة في المجالات الاتية: 
أ‌- في المجال السياسي ادى الارهاب دوره في تعويق البناء السياسي للدولة العراقية بعد عام 2003 واستخدام كل وسائل العنف والترهيب التي يعد بعضها مبتكراً ونوعياً في عمل الجماعات الارهابية.
ب‌- في المجال الاقتصادي نستطيع ان نتلمس الاثر المباشر للأفعال الارهابية على الصعد الاتية:
-التدمير المتواصل للبنى التحتية وخصوصا مشاريع انتاج الطاقة وتهديد العاملين والمستثمرين في المشاريع الانتاجية ومنعهم من الاستمرار في نشاطاتهم الاقتصادية، الامر الذي يؤثر في استمرارية هذه المشاريع من خلال التأثير في جدواها الاقتصادية.
- اكراه المواطنين وخصوصا اصحاب المصالح والمشاريع على دفع الاتاوات  والرشى لتجنب الضرر الذي تهدد به الجماعات الارهابية في حال الامتناع عن دفعها بما يؤثر في مستوى الاداء والانتاج وحتى الرغبة في مواصلة العمل الاقتصادي المنتج.
- ويعد الفساد المالي أحد أخطر اوجه الارهاب الذي يمارسه البعض لتخريب خطط البناء واعادة الاعمار والتنمية الاقتصادية.
ج‌- في الميدان الاجتماعي، خلق الفعل الارهابي مجتمعا مغايرا لما قبله تماما فهو “ يعاني من ازدياد معدل الشعور بالخوف من المجهول وفقدان الثقة بالمستقبل. ومثل هذه السمات لا تشجع قطعا على تهيئة واعداد المجتمع لتحقيق التغيير الايجابي للفرد والمجتمع على حد سواء. فضلا عن ان الافعال الارهابية على مدى السنوات الماضية اسفرت عن اعداد مؤلمة من الضحايا من مختلف الفئات العمرية، وهو الامر الذي أنتج ظاهرة اليتم الواسع والترمل وفقدان المعيل، وهي ظواهر كانت لها آثارها الاجتماعية والامنية والاقتصادية الكبيرة.
د‌-على المستوى الثقافي، أوجد الفعل الارهابي لنفسه فضائيات ووسائل اعلام مقروءة ومسموعة ومرئية وطوابير خامسة تتولى مهمة حقن الفكرة والمشروع الارهابي في العقل الجمعي وبصور مختلفة، فتكاملت بذلك متطلبات الصوت والصورة لبناء الفكرة والحدث. وهنا صار الفرد والمجتمع حصة تلك الوسائل.