قانون العنف الأسري محط خلاف سياسي

الثانية والثالثة 2019/06/24
...

ربغداد / هدى العزاوي 
 
ما زال قانون العنف الاسري محط خلاف سياسي داخل القبة التشريعية، لما يضمه من فقرات قد تتنافى بحسب قول بعض الاحزاب الدينية مع الاعراف والتقاليد العشائرية اذا ما تم تمريره، فيما دعا نواب الى مناقشة هذا القانون والاهداف التي  يتضمنها بحضور منظمات محلية ودولية في حقوق الانسان واعداد مسودة اخرى تكون مراعية للعادات العراقية.
ويقول عضو اللجنة القانونية محمد الغزي في حديث لـ"الصباح": "الحرية المطلقة التي تناولها قانون العنف الاسري في بعض فقراته مخالفة للعادات والتقاليد، خاصة بما يتعلق بطلب الايواء بمجمع تحت سيطرة الحكومة، وذلك حفاظا عليهم من العنف الاسري"، مبيناً أن "المجتمع العراقي شرقي بعاداته وتقاليده ولا يقبل بأمور تتعلق بالمرأة 
وسمعتها".
ولفت الغزي إلى أنه "ستتم الموافقة على تمرير القانون اذا ماتم اجراء بعض التعديلات عليه،  لما له من أهمية للطرفين فالكثير من الاباء يتعرضون الى العنف من قبل ابنائهم كما يتعرض الابناء للعنف كذلك، لذا فأن تشريع القانون اصبح ضرورة للحد من العنف الاسري الذي يختلف عن الجرائم الاعتيادية لان الثقة والامان موجودان بين كلا الطرفين وقد تؤدي الى العنف عكس الجرائم الاخرى التي يمكن اخذ الحذر فيها".
ويختم الغزي حديثه بالتأكيد على "ضرورة تشريع قانون يزيد من التماسك الاسري لا ان يؤدي الى تفكيكه وهذه هي النقطة الجوهرية للخلاف بين اعضاء مجلس النواب على
تمريره".
من جانبها اكدت عضو لجنة المرأة ومقرر مجلس النواب، خديجة علي التركماني، لـ"الصباح": "ما يحدث في الواقع يبرر الغاية من تشريع قانون العنف الاسري الذي اصبح مطلبا شعبيا للحد من ظاهرة استخدام العنف ضد الاطفال والنساء وحتى الاباء والامهات، فهذا القانون لا يخص شريحة معينة في المجتمع وانما يخص جميع افراد الاسرة لتنظيمها، على عكس ما يتداوله بعضهم من أن هذا القانون سيؤثر في بنية الاسرة ويؤدي الى انحلالها اذا شرع، القانون الخاص بالعنف الاسري او ما يسمى الاعتداء الناتج عن العلاقات الاجتماعية داخل الاسرة او العائلة هو للحفاظ على كيان افرادها".
 
تعديلات مدروسة 
قد يواجه القانون المزمع مناقشته او اقراره في البرلمان العديد من التحفظات بدعوات مختلفة منها انه يخالف بعض الثوابت الدينية، او فيه كسر لمنظومة القيم من اعراف وعادات وتقاليد، اضحت لها سطوة وقوة القانون، خصوصاً مع تصدر العرف العشائري على القانون
الوضعي. 
مدير قسم حقوق المرأة، دائرة تمكين المرأة العراقية في الامانة العامة لمجلس الوزراء، المهندسة ليلى التميمي، توضح في حديث لـ"الصباح": أنه "من ضمن القوانين التي تمت اعادتها في الدورة الحالية مقترح قانون العنف الاسري، وبادرنا باقامة ورش عمل مع منظمات المجتمع المدني والوزارات المعنية وابداء عدة ملاحظات تم تدوينها ومن ثم احالتها الى مجلس القضاء الاعلى لاخذ آرائه بنظر الاعتبار مع التعديل على الفقرات التي تم الاعتراض عليها من قبل مجلس النواب لتمريرها ضمن البرنامج 
الحكومي".
وتؤكد التميمي "ضرورة تشريع قانون العنف الاسري خلال الدورة البرلمانية الحالية بسبب زيادة عدد نسب ضحايا العنف الاسري سواء المتعلق بالمرأة او الاطفال او كبار السن،  كما ان هناك نسبا مسجلة للعنف الاسري ضد الرجال لذا اصبح القانون ضرورة ملحة
لتشريعه".
من جهته، يقول القاضي ناصر عمران، في حديث لـ"الصباح": "يرتبط الكثير من العنف الاسري في مجتمعاتنا بالتنشئة الاجتماعية التي تعتبر استخدام العنف من قبل صاحب السلطة العائلية او الولاية الجبرية او العمرية مشرعناً وسلوكا تربويا غايته ادخال الاولاد ضمن سقوف الرؤية السلطوية للعائلة المنطلقة من رؤى اجتماعية مستندة الى الاعراف والتقاليد الاجتماعية او الرؤية الدينية وهو ما تماهى معه القانون وترجمه في نص المادة (41) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل الذي نص على اباحة استخدام العنف فجاء بالنص (لا جريمة اذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالا للحق تأديب الزوج زوجته وتأديب الاباء والمعلمين ومن في حكمهما الاولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعا أو قانونا او عرفا، فاستعمال العنف ضد الاولاد القاصرين وقبله الزوجة استعمال لحق إذ اعتبره المشرع العراقي مباحا كونه حقاً للزوج والاب والمعلم و(من في حكمهما) وهذه العبارة تدخل الكثير من الفئات الاخرى في ممارسة هذا الحق، كي تقوم باستعمال العنف طريقا للتأديب ولا يعتبر فعله مجرماً وفق ما يحدده العرف او الشرع او القانون ولنا ان نتصور ما تحمله الرؤية القانونية او الشرعية والاكثر العرفية من نوع العنف المستخدم والداخل ضمن إطار التأديب كحق".
 
التوعية المجتمعية 
"عندما يسن قانون فانما يقصد منه تجريم فعل معين، او النهي او الالزام باتيان فعل معين، ولذلك قيل (لا جريمة بلا عقاب.. ولا عقاب من دون قانون)" بهذه العبارة استهل حديثه لـ"الصباح" استاذ علم الاجتماع الدكتور محمد عبد الحسن، مشيرا الى ان "القانون عندما يسن او يشرع فانه يبنى على جملة من المرتكزات والقواعد والاسس، فهو يشتق من دين المجتمع، ويتماشى مع فلسفة المجتمع، وكذلك عاداته وتقاليده ومتبنياته، حتى يتم تقبله واستيعابه ومن ثم 
تطبيقه".
وأضاف عبد الحسن "لعل ما نخشاه ان يكون هذا القانون مجرد حبر على ورق او لا يأخذ دوره الى التطبيق في الساحة الاجتماعية، لكونه غير مدعوم من شرائح المجتمع او من بعض مؤسساته، ولذلك اعتقد ان هذا القانون ما لم يسبق او يعضد بالتوعية الاعلامية، وبحملة مجتمعية بضرورة واهمية مثل هكذا قوانين، مع العمل المؤسساتي الرسمي الجاد والفاعل لزراعة قيم واستحداث قيم محل القديمة - في نفوس النشء - المبنية على اساس التسلط والعنف والقهر، وافضلية بعض الافراد على بعضهم الاخر، فضلاً عن تصحيح بعض المفاهيم الدينية الخاطئة، كالاعتقاد بحلية ضرب المرأة او ان من حق الام والاب ضرب الابناء بحجة التأديب او التربية، كما ان عملية تفعيل دور الشرطة المجتمعية ودخولها مسرح العلاقات الاجتماعية ببرامج توعوية وارشادية من شأنه ان يجعل الافراد يتفاعلون مع نص ومضمون القانون فضلاً عن الحرص على
تطبيقه".
الموقف الفقهي من تعنيف المرأة، يوضحه استاذ الحوزة العلمية فالح عزيز الموسوي، خلال حديثه لـ"الصباح": "المرأة ككيان انساني لا تختلف عن الرجل في ما يتعلق بالتشريعات، الا في حدود خاصة لها علاقة وثيقة بالفارق البايولوجي بين الجنسين، الا ان كيانها المعنوي وشخصيتها وكل ماله علاقة بكرامتها وحقوقها الانسانية والاجتماعية  حددته الشريعة الإسلامية بضوابط صارمة وقيود دقيقة ليندرج العنف ضد المرأة بالظلم الذي هو من اقبح السلوكيات التي نهى عنها الشارع المقدس، كما ان المشرع الإسلامي وضع أحكاماً جزائية وأخرى تضمينية على المعنف بحسب الأضرار التي يحدثها في جسد المرأة من احمرار الجلد وصولاً إلى الأضرار البليغة".
وأكد الموسوي أن "الفقه الإسلامي يحفظ حقوق المرأة لو مارس عليها الزوج أو غيره من القريب والبعيد أي شكل من أشكال الظلم سواء أكان ضربا أو تنكيلا وحتى الأضرار المعنوية الناشئة من سوء العشرة والسلوك غير اللائق  ومن الناحية الأخلاقية فإكرام المرأة زوجة أو بنتا أو اختا او أما من ابرز وصايا القران والنبي (ص) والذي يظهر من مجمل تلك الوصايا والتوجيهات مساواة المرأة للرجل في الحقوق والحدود الإنسانية والعقائدية والحياتية، كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ فالآية الكريمة لم تفرق بين رجل وامرأة  لا بوصف الإيمان ولا بالممارسات العبادية فكيف يعقل ان تبيح الشريعة للرجال تعنيف النساء 
وظلمهن". 
 
تجريم الاعتداء 
ويعود القاضي ناصر عمران، ليكمل حديثه لـ"الصباح" عن الاحكام القانونية المتعلقة بتجريم الاعتداء الواقع على الاولاد من قبل ذويهم موضحا: "لم يتطرق المشرع الجنائي بشكل مستقل بما يتعلق بتجريم الاعتداء كما ذكر انفا وإنما يرجع بذلك الى المبادئ العامة في تجريم الفعل فقد منح القانون الحماية الجنائية لحياة الانسان وسلامة بدنه وبضمنهم القاصرون في الباب الاول بفصول ثلاثة كان الفصل الاول يختص بتجريم القتل العمد ونص في المواد القانونية (405،406،407،409) والفصل الثاني نص على تجريم الضرب المفضي الى الموت والقتل الخطأ في المواد القانونية (410،411) وفي الفصل الثالث جرم الجرح والضرب والايذاء العمد في المواد القانونية (412،413، 415، 416) من القانون والذي تناول الايذاء والجرح والضرب الذي احدث عاهة مستديمة بقصد عمدي او دون قصد عمدي والايذاء الشديد والايذاء الخفيف والايذاء والاعتداء الناتج عن اهمال أو رعونة أو عدم انتباه أو مراعاة للأنظمة
والقوانين".
ولفت استاذ الحوزة العلمية الموسوي لـ"الصباح" إلى أن من المسائل التي تشدق بها خصوم الإسلام وسوقوا من خلالها تشنيعاتهم وحمولاتهم النفسية استغلال وتوظيف بعض الايات القرآنية وتفسيرها في إطار امتهان المرأة وسلب حقوقها كما جاء في قوله تعالى ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) والتي فسرها بطريقته الذكورية واعطى لنفسه الحق في استعباد المرأة متناسيا دور الاسلام والقرآن في تكريم المرأة وحفظ حقوقها"، مؤكدا: "إذا اراد ان يشرع قانونا يمنع تعنيف المرأة عليه ان لا يستنسخ تجربة الدول الغربية ويطبق قوانينها المعمولة على واقعنا لأسباب كثيرة أولا ملاحظة البنية الاجتماعية والعادات والتقاليد والأعراف وأسباب وجود العنف والتقنين على ضوء ملاحظة كل تلك الظروف حتى لا يصطدم القانون المدني بنظم المجتمع وتقاليده ولا يكون القضاء والعاملون فيه وسطاء سلبيين في حياة الأسرة.. نعم الشريعة لا تمنع أي قانون يحفظ للمرأة حقوقها ويصون كرامتها لكنه يترك مساحة واسعة لإصلاح الأسرة وبناء علاقات اجتماعية مبنية على الثقة والتسامح والرضا لا يسير الجو الاجتماعي الأسري القانون بقدر ما يصونه ويسيره الاحترام والحب ومراعاة
الحقوق". 
ويختتم حديثه استاذ علم الاجتماع الدكتور محمد عبد الحسن بالقول: إن طبيعة الحياة الاجتماعية تحتاج الى التنظيم، وهذا التنظيم هو الذي يفك حالة الاشتباك ويحدد ما للفرد وماعليه، من حقوق وواجبات، بشقيها الفردي والجمعي، ولذلك لا يوجد مجتمع انساني على مدار تاريخ الانسانية يخلو من شكل من اشكال التنظيم الذي ياخذ صيغا إلزامية، والذي يمكن ان نسميه القانون، لتنظيم حياة الناس، ولعل من نافلة القول ان المجتمعات البدائية كانت قوانينها عرفية غير مكتوبة، وبعد ان تطورت المجتمعات اكثر وجدت في الاديان ضالتها فكان الدين هو القانون وهو الذي يحدد ما للفرد وما عليه من حقوق وواجبات، ونواه ومحرمات، بيد ان تطور المجتمعات اكثر جعلها بحاجة ماسة الى ان تكون هناك قوانين تتجاوز حدود الدين الواحد او العرق الواحد، وانما تكون ذات صبغة انسانية وشمولية".