مؤيد أعاجيبي
في مجال الترجمة، تعد إعادة ترجمة نص سبق ترجمته ممارسة متداولة. ومع ذلك، قد نجد أحياناً أن هذه الترجمات الجديدة لا تقدم إضافات ملموسة مقارنة بالترجمات السابقة، مما يثير إحباط القراء. فالقراء الذين ينتظرون تحسينات أو رؤى جديدة يصطدمون بنص مكرر أو معقد بشكل مفرط. هذه الظاهرة تسلط الضوء على جوانب معينة من الترجمة التي يمكن وصفها في بعض الحالات بأنها "غير موفقة".
على سبيل المثال، تمت ترجمة كتاب "ما بعد الطبيعة" لأرسطو إلى اللغة العربية مرتين قبل الترجمة الموجودة في الصورة، بالإضافة إلى الترجمة العربية القديمة. الترجمة الأولى من الإنجليزية قام بها الفلسطيني جمال حسنين أبو الطوق، وهي تتميز بسلاستها ولغتها الواضحة. لكن، على الرغم من جودة الترجمة، إلا أنها تفتقر إلى الدراسة التحليلية المتعمقة، وعادةً ما يحتاج القراء إلى مقدمة تشرح الكتاب
وتفك رموزه وتوضح مقا
صده، كتلك التي قدمها فؤاد زكريا في ترجمته لجمهورية أفلاطون.
أما الترجمة الثانية للكتاب المذكور، فجاءت من اللغة الأصلية، أي اليونانية، إلى العربية، وقام بها المصري "محي الدين محمد مطاوع". صدرت هذه الترجمة عن دار صفصافة في مصر، وحظيت بإعجاب كبير من قبل القراء. والذي نجح المترجم في نقل روح النص وأسلوبه بدقة مع الحفاظ على الفكرة كاملة، مما جعل النص مفهوماً رغم صعوبته.
كما إنه قدم مقدمة رائعة للكتاب، وأرفق دراسة مفصلة لكل مقالة من المقالات الأربعة عشر، مما أضفى وضوحاً ودقة على الترجمة.
ومن المعروف في أوساط المترجمين هو أن أي مترجم يتناول عملاً سبق ترجمته يجب عليه أن يوضح عيوب الترجمة السابقة، ويبرز الإضافات التي قد يغفلها المترجم السابق. وهذا بالضبط ما فعله محيي الدين مطاوع، حيث قدم نقداً لترجمة إمام عبد الفتاح إمام، الذي سبق له أن ترجم بعض مقالات الكتاب.
وبعد فترة قصيرة، ظهرت ترجمة جديدة لنفس الكتاب قام بها الدكتور" أبو يعرب المرزوقي"، ولكن هذه المرة من اللغة
الألمانية، مع مقدمة طويلة للكتاب.
واللافت للنظر أن "المرزوقي" لم يشر بأي شكل إلى الترجمتين
السابقتين ولم يعطِهما أي اهتمام!. بالإضافة إلى ذلك، لم أجد في هذه الترجمة إضافات أو رؤى جديدة تميزها عن غيرها.
ورغم أن وجود عدة ترجمات لنفس النص قد يكون مفيدًا، إلا أن هذه الترجمة لم تقدم شيئًا جديدًا. ولم تسلط هذه الترجمة الضوء على تفاصيل دقيقة في الكتاب لم يلتفت إليها المترجمون السابقون.
ومع ذلك، يبقى السؤال: هل كانت هناك حاجة فعلية لهذه الترجمة الجديدة؟، أم أنها مجرد تكرار لما سبق؟ في الواقع، عند محاولة الإجابة، وجدت أن النص ضاع في زحمة المصطلحات الغامضة، مع مترجم يبدو أنه يظن أن
استخدام الكلمات المعقدة يضيف قيمة لترجمته.
هذا المترجم، الذي ربما كان يهدف إلى عكس عمق النص، اختار مفردات غريبة وعبارات معقدة، مما يُربك القراء. بدلاً من توضيح الأفكار وتقديمها بشكل مبسط، استبدل الفهم بالتعقيد.
حاول أن يجعل أسلوبه فخمًا، لكنه انجرف نحو تعقيد ممل، مما جعل النص بعيدًا عن الفهم.
من المفاهيم الخاطئة في عالم الترجمة هو الاعتقاد بأن البساطة تعني "تسطيح" النص أو الانتقاص من قيمته. لكن في الحقيقة الأمر بالعكس تماماً، البساطة هي فن إيصال الفكرة بأوضح طريقة ممكنة دون المساس بعمق المعنى. فصاحب الترجمة الاخيرة ربما يظن أن التعقيد هو السبيل الوحيد للحفاظ على قوة وهيبة النص، ولكن الواقع أن النص الأكثر تأثيرًا هو الذي يصل إلى القارئ بسهولة دون فقدان
قيمته.