سعاد البياتي
هو الحنين في هذا الوقت بالذات، المدارس والدوام المدرسي الجميل أيام زمان، حينما كنا نتوق لها ونتلهف للجلوس على مقاعدها، رغم قدمها إلا أنها تعد جميلة في نظرنا وذات بريق لا ينسى. الذكريات وحدها عالم واسع من القصص المثيرة للتفكير، حلوها ومرها، نستمد منها القدرة على الحياة وأعبائها وكل ما يمكن أن يدخل في حافظة الاشتياق.
ومن هذا الباب الزاخر بالذكريات توهجت فينا استذكار الصف المدرسي سابقاً وما يحتويه من أدوات تجلب نظرنا بقوة اليها، وتدعونا إلى أشد الالتزام والانضباط، كل ما فيه ينطق بالجدية والخشية من المعلمة، الإنسانة الصارمة في تدريس المادة وحريصة على إيصالها لنا بشكل هادئ وجميل والحنونة، التي تجعل من يومنا مليئا بالإبداع والفرص، كانت حاضنة لبكائنا حينما تصعب علينا حفظ المادة، وتتشاكس معنا بهدوء كي نكون تلميذات بمستوى يليق بالدرس، وتدعونا إلى النظافة وحسن الخلق والترتيب والاهتمام بكل ما يخص حياتنا وعامنا الدراسي، هي نبيلة حد الانبهار، ومانحة للنجاح والتفوق لما تبذله من جهود كبيرة لتعليمنا، فلا دروس خصوصية ولانجاح دونما اجتهاد وحفظ، نراها كل صباح بأناقتها المحتشمة وروعة حديثها عن النجاح وغيره ما يخص المستقبل والطموح، والحديث عنها يطول ويطول لأنها تستحق الذكر والإشادة.
حكايات لاتنسى
تقول راجحة الكعبي موظفة « هكذا هي الدراسة أيام زمان من أجمل ما تكون، نحرص على الدوام والالتزام بكل ما يخصها، ابتداءً من الزي المدرسي الجميل بألوانه الهادئة الأبيض والنيلي أو الرصاصي، والشرائط البيضاء، والحقيبة البسيطة، وزميلات الدراسة اللطيفات، أما الصف المدرسي فإحساسنا به يفوق الخيال، ابتداء من الرحلة الخشبية القديمة ذات المسامير البارزة، التي في كل مرة تترك أثرا في قدمي أو في صدريتي، وهي بحد ذاتها تكتنز الكثير من الذكريات والحكايات، والسبورة الخضراء العريضة والطباشير الأبيض، الذي يلوث برذاذه الأبيض المتطاير ملابس المعلمة وزينا المدرسي، حتى أخشى توبيخ أمي لي كل يوم، وتبين الكعبي بحسرة عن كل ما كان بذاكرتها قائلة:
ذلك الباب الحديدي الذي نطرقه للاستئذان، وجرس المدرسة اليدوي الحديدي القديم والثقيل، نرتبط به بقوة، لأنه يدعونا الى الفرصة واللعب والمرح والأكل وربما المشاكسة، وبالعكس أيضا له دعوة معاكسة للانتظام والذهاب الى الصفوف لبدء الدرس، أو حتى الانصراف إلى البيوت لإعلانه عن نهاية الدوام، عالم من المحبة والجد والقلق والاشتياق لتلك المرحلة العمرية من حياتنا.
خصوصيَّة الخميس
وبصدد الحديث عن ذكريات المدارس أيام زمان استذكرت عفراء محمد قائلة ايضا:
لا احد منا ينسى أيام الدراسة والمدارس سابقاً، فكلها جمال وحرص والتزام وخشية من معلماتنا الانيقات جداً، ولا أتذكر أنني غبت يوما عن الدوام، رغم أن مدرستي كانت تبعد مسافة ليست قليلة عن البيت. ولعل يوم الخميس فهو يوم مميز وله حسابات خاصة، أعده من أجمل الأيام، رفعة العلم وما أجملها من فعالية جميلة، يستعرض فيها كشافة الصف بأبهى صورة، تتخللها كلمة المديرة ومعلمة الرياضة وإلقاء القصائد وغيرها، إنه يوم مميز بالفعل وله خصوصية نفرح، لأن سيليه يوم الجمعة العطلة الوحيدة في الاسبوع، التي ننعم بنوم هادئ صباحا دون أن يوقظنا أحد.
حضن الذكريات
هكذا الحنين في حياتي، لي معه حكايات لا تغيب عن فكري، ولا تبرح في الانتهاء، حتى أني أحسها منذ القدم تراوح معي أينما حللت ومهما تمر الأعوام بي، هذا ما وصفته ابتهاج علي التي هي الآن في العقد السادس من العمر، مضيفة» عالم الدراسة لا يمكن نسيانه، هو بحد ذاته مرحلة واسعة ومليئة بالأحداث ولها طعم يختلف تماماً، فالحنين إليها لا يخذل لحظة الاشتياق لكل ما كان في المدرسة والصف، ويمنحنا ذروة السعادة والحزن أيضاً ويبعث فينا الأمل والحياة، كان دوما أنبل شعور لأجمل اليوميات وأعذبها في تلك الحياة المدرسية الجميلة، التي لا تفارق مخيلتنا حينما نتوق للدوام ولصوت المعلمة، كل شيء كان ينبض بالإرادة والالتزام، فالمدرسة كانت كل حياتنا، لا شيء يدعو للهو غير الكتب والواجبات، أنه الحنين يفتح أسرارنا العميقة التي غابت عنا لذلك حينما نفكر به نشعر بأننا نستذكر أروع اليوميات المدرسية، والى كل ما كان فيه حتى حينما تضربنا المعلمة لنسيان التحضير أو غير ذلك كانت تمنحنا درساً يعلق في الذاكرة، ويبقى كلما نتذكره يؤجج فينا التمني في العودة إليه وإلى وهجه وبساطته العذبة.
رؤية
إنه الماضي الجميل يمكن وصفه كاملا وروعته ليس بالكلام فقط، وإنما ما يسطره القلم من خلال التدوين، ومع ذلك فليس دائماً التذكر والتأثر يمكن أن تعبر عنه بالكتابة، أحياناً تستفزنا أشياء كثيرة تشجعنا عن تفريغ أحاسيسنا مع من يشاطرنا الحديث، نلجأ اليها كنوع من التعبير لرؤية الحدث واسترجاع مكانته ومكانة من عاش أحداثه
وهذا ما حصل.