«الترند» مصطلحٌ يصنعه «التيك توك» ويقلده الصغار والكبار

اسرة ومجتمع 2024/11/03
...

  بغداد : غيداء البياتي  

 تعاني ميس العنبكي «41» عاماً من هوس ابنتها البالغة من العمر «10» أعوام بمتابعة وتقليد كل ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما ما يدعى بـ»الترند» حسب المصطلح الدارج، ومثال على ذلك «ترند الغزالة» حيث تأثرت ابنتها به كثيراً على ما تقول وتضيف:»أصبح من الصعب علينا التحكم برغبات أبنائنا بسبب كثرة الترويج لكل ما هو جديد عبر الانترنت والصفحات المفتوحة، والذي يكون أغلبه غير نافع فترند «الغزالة» أخذ حيزاً كبيراً بين الصغار والكبار وهو عبارة عن مكياج يوضع على الوجه يشبه شكل الغزالة تضعه فتاة وتلتقط صوراً في الطبيعة أو تصور فيديوهات وهي تتكلم أو ترقص على أغنية «الغزالة رايقة» وغيرها، وغالباً ما يكون من مشهورات «التيك توك» بغية الحصول على أكبر عدد من التعليقات والإعجابات.
العنبكي أكدت لصفحة «أسرة ومجتمع» أنها لم تعد تسيطر على طلبات ابنتها الصغيرة للمكياج، فالأخيرة على ما تقول تحب ما منعت منه، مبينة أنها في كل مرة تمنعها من مشاهدة ما ينشر على الـ»تيك توك» تراها تتابع مشاهيره وتقلدهم.

تنافس المشاهير
وقد اشتكت زميلة ميس، الموظفة في بلدية المنصور آمنة النعيمي «38» عاماً هي الأخرى من ابنتيها، وهن يحاولن باستمرار تقليد كل ما يحمل عنوان «الترند الجديد» فهي متحسرة على أيام الزمن الجميل وتجمع الأسرة لمشاهدة البرامج المفيدة التي تعرض عبر قنوات التلفزيون الذي دعت له بالرحمة؛ لأنه مات بالنسبة للجيل الحالي، مشيرة إلى أن مشاهير منصات التواصل الاجتماعي في تنافس مستمر فيما بينهم لتنفيذ «الترندات» من حين لآخر، فهناك ترند «النافورة والنمر»، ومؤخراً ظهر ترند القطة، والأسوأ هو ترند الأخ المبالغ فيه والبقية قادم إذا لم يكن هنالك رادع.

إعلانات ممولة
ليس فقط ترند المكياج من يؤثر في الأطفال والكبار، بل هنالك الكثير من «الترندات» على ما يحلو للشباب تسميته تظهرعلى شكل إعلانات ممولة على مواقع التواصل الاجتماعي فقد تكون ملابس أو اكسسوارات، أو أجهزة ذكية وحتى الأحذية»، وتلك الأشياء تسمى «براندات» أو «ماركات» هذا ما قاله ممدوح جعفر، أستاذ الاجتماعيات في مدرسة ابن الهيثم الابتدائية وأضاف مسترسلاً بحديثه: «لأني لا أريد أن يشعر أولادي بأي نوع من الحرمان أضطر لشراء كل ما يطلبونه وهذا خطأ طبعاً لكن ما باليد حيلة فابني محمد «12» عاماً، لديه هوس باقتناء كل ما هو جديد من الماركات العالمية سواء من الملابس أو الإكسسوارات أو شراء بعض أنواع الحلويات لماركات عالمية معروفة، محاولاً تقليد المشاهير حتى في طريقة حياتهم».
جعفر أشار إلى أن «الأمر بات مرهقاً من الجانب المادي، خاصة أن أولادي لا يزالون صغاراً ومحمد يبدو أنه في مرحلة المراهقة ويسعى لتقليد أصدقائه وبعض المشاهير، لذلك لا تنتهي طلباته، وهذا الأمر مثير للقلق فقد تتفاقم المشكلة في المستقبل».
أستاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد د. ناز بدر خان قالت :»على الوالدين تقع مسؤولية التربية السليمة للأولاد فغرس مفهوم الرضا والقناعة لدى الأبناء يبدأ من داخل المنزل ومن ثم تكمله الهيئة التدريسية في المدرسة، فهاتان مرحلتان مهمتان في حياة الأولاد، ولا أقصد بالرضا الامتناع عن اقتناء الأشياء المادية، لكن التركيز على تعليم الصغار القناعة بما يمتلكونه وتقدير كل شيء يحصلون عليه سواء كان ألعاباً أو حلويات معينة أو ملابس وغيرها، والأهم من ذلك تعويدهم على اقتناء الأشياء المفيدة والمهمة التي تفيدهم في حياتهم اليومية والمدرسية والعملية وعدم السعي وراء كل ما هو جديد لمجرد أنه «براند» أو «ترند» والحصول عليه وتصويره فقط للتباهي امام الآخرين».
الاستغلال السلبي للتكنولوجيا
ولأن اليوم أصبح الهوس بالترند هو الغالب على القيم والثوابت الإنسانية، والاستغلال السلبي للتكنولوجيا الحديثة ساعد بشكل كبير على تحقيق البعض مما يحبه ويسعى إليه محبو الترند، فقد أعلنت بدر خان عن أهم الجوانب العملية التي يمكن للأهل اتباعها مع أبنائهم من أجل تقليل هوس شراء «الماركات» أو تقليد «الترندات» فقالت :»على الوالدين أن يعلموا أولادهم أن السعادة لا تقاس بما يمتلكه الإنسان من مقتنيات، بل بالعلاقات الطيبة والإنسانية والتجارب المفيدة للآخرين، كما أن على الأهل أن يعززوا الثقة في نفوس أولادهم من خلال مدحهم أمام الآخرين والتغزل بأناقتهم وصفاتهم الحميدة، فضلاً عن تشجيعهم على ممارسة هواياتهم ونشاطاتهم غير المرتبطة بالأشياء المادية مثل القراءة والرياضة والعمل التطوعي أو الزراعة والموسيقى وغيرها». مشددة على ضرورة تزويد الأبناء بالوعي التام بأن ما يرونه على مواقع التواصل الاجتماعي ليس دائماً حقيقياً وأنه لا يعكس حقيقة المجتمع في الواقع، وأن السعادة تنبع من الداخل وليس من الخارج.