أدب الأطفال.. رقابة وحماية

اسرة ومجتمع 2024/11/03
...

  د. كاظم عبدالزهره

تقوم العديد من الدول بمراجعة محتوى المجلات والكتب الموجهة للأطفال قبل السماح بنشرها أو استيرادها، لضمان أن المواد المنشورة أو المراد نشرها مناسبة للفئة العمرية المستهدفة ولا تحتوي على محتوى ضار أو غير لائق.
 وتختلف الإجراءات التي تقوم بها الدول في مراقبة وفحص المواد من بلد إلى آخر. فبعض الدول تضع معايير للناشرين والمستوردين وتطالبهم بالالتزام بها. وتقوم دول أخرى بمراجعة المحتوى بشكل مباشر قبل إعطاء الإذن بنشره أو استيراده وتوزيعه.
وعادةً ما تقوم وكالات أو هيئات حكومية أو مجالس مستقلة بعمليات المراجعة والفحص ومنح موافقات النشر او الاستيراد. كما تعتمد دول أخرى على التنظيم الذاتي لدور النشر والتوزيع مع وجود
آليات للرقابة والتقييم.
 والهدف من كل ذلك حماية الأطفال من التعرّض لمحتوى غير لائق وتعزيز المواد التعليميّة والقيم الأخلاقيّة والإيجابيّة لديهم.
ففي أوروبا شرعت الدول قوانين خاصة بحماية الأطفال، وتعد ألمانيا واحدة من أبرز الدول الأوروبيّة التي تضع معايير صارمة لمحتوى المجلات والكتب الموجهة للأطفال.
اذ وضعت قوانين صارمة تهدف إلى حماية الأطفال من المحتوى الضار أو غير المناسب، مثل قانون حماية الشباب الذي يهدف إلى حماية الأطفال والشباب من المحتوى الضار. اذ يلزم القانون الجهات المسؤولة بمراجعة المحتوى الموجه للأطفال لضمان توافقه مع المعايير المحددة.
وكذلك الهيئة الفيدرالية للإعلام المرئي والمسموع: التي تقوم بتقييم المواد الإعلاميّة وتحديد ما إذا كانت مناسبة للأطفال أم لا. والتي يمكنها حظر أو تقييد توزيع المواد التي تعتبر ضارة.
كما أن الحكومة الألمانية وضعت مجموعة من الارشادات الصارمة التي تتعلق بالمحتوى ينبغي على الناشرين الالتزام بها، مثل تجنّب العنف، والمحتوى الجنسي، واللغة غير اللائقة.
كما وضعت أيضاً التعليمات التي تشجع الناشرين من خلالها وتحثهم على تضمين القصص والحكايات في الكتب والمجلات محتوى تعليمي وإيجابي يعزز القيم التربويّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة.
وكذلك الحال في فرنسا التي وضعت هي الأخرى قوانين وإرشادات صارمة تهدف إلى حماية الأطفال من المحتوى غير المناسب، ويقوم (المجلس الأعلى للوسائل السمعيّة والبصريّة) بمراقبة وتنظيم المحتوى الإعلامي، بما في ذلك المواد الموجهة للأطفال، إذ يقوم المجلس بمراجعة المحتوى لضمان توافقه مع المعايير المحددة قبل السماح بنشره أو استيراده.
أضف الى ذلك (قانون حماية الطفل) الذي يهدف الى حماية الأطفال من المحتوى الضار أو غير المناسب. والذي يفرض أيضاً مراجعة المحتوى الموجه للأطفال.
وتلتزم جميع دول الاتحاد الأوروبي بالمعايير والتعليمات التي وضعها الاتحاد لمراقبة وتنظيم المحتوى عبر الإنترنت، بما في ذلك المحتوى الموجه للأطفال. كما في قانون الخدمات الرقميَّة الذي يعد واحداً من القوانين الرئيسية التي تهدف إلى ضمان بيئة آمنة ومسؤولة على الإنترنت للأطفال.
أما في البلدان العربيّة، فهناك تفاوت في درجات الرقابة على محتوى المجلات والكتب الموجهة للأطفال. وتختلف القوانين والإجراءات من دولة إلى أخرى، لكنها تشترك في وجود قوانين تنظم الصحافة والنشر تتضمن قيودًا على المحتوى لضمان عدم نشر مواد ضارة أو غير لائقة. على سبيل المثال، قوانين الصحافة والنشر في مصر والسعودية تنص على مراجعة المحتوى قبل نشره لضمان توافقه مع المعايير الوطنيّة. كما تفرض تلك القوانين رقابة صارمة على المحتوى لحماية القيم الاجتماعيّة والدينيّة، ويتم حظر أو تقييد المواد التي تعد غير متوافقة مع هذه القيم.
كما أنَّ هناك هيئات رقابيّة تقوم بمراقبة المحتوى الإعلامي في الامارات العربية المتحدة وهي الهيئات الحكومية المسؤولة عن مراجعة وتقييم ذلك المحتوى. لضمان احترام السياسات والتوجيهات الحكومية.
وفي قطر يتصدى المجلس الأعلى للإعلام الى مراقبة وتنظيم المحتوى الإعلامي من خلال تطبيق القوانين التي تهدف الى حماية القيم الاجتماعية والدينية. ويقوم بحضر أو تقييد المواد التي تعد غير متوافقة مع القيم الوطنية والدينية. فضلا عن ذلك، هناك قوانين تحظر المحتوى الذي يتضمن العنف أو المواد الإباحيَّة أو أي محتوى يعدُّ ضارًا للأطفال.
 وتأخذ وزارة الإعلام في سلطنة عمان على عاتقها مسؤولية مراجعة وتقييم المحتوى الإعلامي. عبر إجراءات ومعايير صارمة تتعلق بالمحتوى، مثل تجنب العنف والمحتوى الجنسي واللغة غير اللائقة. فضلا عن ذلك، فإنّ هناك قوانين تحظر نشر أو استيراد المواد التي تعد ضارة للأطفال.
ويختلف الوضع كثيراً في العراق، فهو معقد للغاية، اذ أتاح الدستور في المادة (38) الفقرة  ثانياً:- (حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر) ولم يشترط ان ينظم ذلك بقانون ما أدى الى غياب الرقابة على النتاجات الموجهة للأطفال بشكل شبه كامل، كما أن الجهات التشريعية والرقابية لم تتطرق الى تلك النتاجات بشكل واضح حتى في مسودة قانون حماية الطفل، وكذلك الجهات الحكومية مثل وزارة الثقافة وهيئة الاعلام والاتصالات لم تضع معايير صارمة لمراجعة وتقييم المحتوى المنشور أو المطبوع او المستورد أو تفرض إجراءات مشددة على الناشرين او المستوردين بهدف حماية الأطفال من المحتوى غير المفحوص شأنها شأن الحكومات التي تدرك أهمية فحص النتاجات الموجهة للأطفال قبل تقديمها للطفل.
ولا يمكن بأيِّ حال من الأحوال إهمال هذا الجانب وترك الرقابة على أدب الأطفال لما يشكله أدب الطفل من أهمية كبيرة تترك آثارها على شخصية الطفل وتؤثر في نموه ومعارفه وقدراته، فلا بدَّ من المبادرة الى وضع معايير صارمة والبدء بمراجعة وتقييم مطبوعات الأطفال.
 كما ينبغي أن تراعي المراجعة مجموعة من القواعد الأساسية، منها مراجعة وتقييم جودة المحتوى الأدبي وموضوعه وجودة المحتوى الفني على وفق معايير تربوية وأخلاقيّة وأدبيّة وفنيّة تأخذ بنظر الاعتبار متطلبات تنمية الأطفال على وفق أعمارهم.
 فالملاحظ اليوم في العراق عدم انطباق المعايير الدنيا التي يجب أن تتحقق في أدب الطفل على أغلب ما ينشر، أما من جانب المحتوى المكتوب كالقصائد والقصص والحكايات والمعارف والعلوم أو من جانب الرسم والتصميم، أو في كلا الجانبين، ويعود ذلك - فضلا عن غياب الرقابة- أيضا الى ضعف حركة النقد الموجه الى تلك النتاجات، وغياب المختصين والاحتكام الى ذائقة المسؤولين عن النشر، ودور النشر والمستوردين.
إنَّ غياب المعايير من جهة وغياب الرقابة الحكومية من جهة أخرى وضعف النقد الموجه لأدب الأطفال في العراق فضلا عمّا يشكله من خطر على الطفل وتنميته فإنّه أثر للأسف في سمعة العراق وتاريخه في هذا الحقل..

مدير المركز العراقي لثقافة الطفل