ترجمة: نجاح الجبيلي
تجمع مؤسسة ميرو بين عملاقي الرسم في القرن العشرين "هنري ماتيس وخوان ميرو" في معرض ببرشلونة يستكشف لأول مرة العلاقة بينهما القائمة على الاحترام المتبادل والإعجاب. وقد كتبت المحررة الفنية "تيريزا سيسي" عن المعرض في صحيفة "لابانغوارديا- الطليعة"الاسبانية، قائلة: حين سألَ الشاعر الفرنسي "لوي أراغون" الرسام الفرنسي "هنري ماتيس" الذي كان يبلغ السبعين من عمره، من الذي يعتقد أنه الرسام الحقيقي، باستثناء بيكاسو، تبادر إلى ذهنه اسم بونار، لكنه صحح على الفور "ميرو... نعم، ميرو.. لأنه يستطيع تمثيل أي شيء على قماشته، ولكن إذا قام، عند نقطة معينة، بوضع بقعة حمراء، فيمكنك التأكد من أنها موجودة وليست في أي مكان آخر، حيث يجب أن تكون.. قم بإزالتها وستسقط اللوحة".
وميرو العجوز، عندما بلغ السابعة والثمانين من عمره، ترك في مذكرة مكتوبة عن الرسامين الذين ميزوا فن القرن العشرين بالنسبة له، وهم "بيكاسو إله. ماتيس رسام عظيم. ميرو روح عظيمة".
بالرغم من الفارق الكبير في السن الذي يفصل بينهما كان ماتيس أكبر من ميرو بـ 23 عاماً وكانا ينتميان إلى بيئتين فنيتين مختلفتين "الحوشية في حالة ماتيس والسريالية في حالة ميرو" التقيا كلاهما، وأتيحت لهما الفرصة للتأمل في أعمال بعضهما البعض، وحافظا على علاقة إعجاب مبنية على التحفيز الإبداعي والإرادة المشتركة لتجاوز حدود
الرسم.
ميروماتيس- هكذا بدون فصل بين الاسمين مثل زميلين يسيران جنباً إلى جنب- هو عنوان المعرض الرائع الذي تنظمه مؤسسة ميرو، وتكشف عن الروابط بين اثنين من العمالقة، لم يقلدا بعضهما البعض، ولم ينظر أحدهما إلى الآخر كمنافس. إن "ما جمعهما هو فعل التدمير وإرادة البدء من جديد"، يشير مؤرخ الفن ريمي لابروس، وهو متخصص كبير في أعمال كلا الفنانين ومنسق المعرض الذي سيستمر حتى 9 فبراير/ شباط 2025.
يأتي هذا المعرض المعنون "ما وراء الصور" ثمرة للتعاون مع متحف ماتيس في نيس بفرنسا، وقد أسهم في وصول أعمال فنية إلى برشلونة من متحف الفن الحديث MoMA في نيويورك، ومتحف رينا صوفيا في مدريد، أو متحف سانت لويس للفنون، بالإضافة إلى مجموعات خاصة وأسر الفنانين.
يُعد هذا المعرض أهم حدث في مؤسسة ميرّو لهذا العام، وكان مديرها ماركو دانيال، في غاية السعادة، إذ يعترف قائلاً: "حين دخلتُ القاعات شعرتُ بحماس كبير. لم يُشاهد شيء بهذه الخصوصية في برشلونة منذ زمن طويل".
وأضاف أنه "حوار غير مسبوق يجري من خلال أعمال فنية رائعة. لم يُقدم أي معرض بهذا العمق حول كيفية قيام كلا الفنانين بثورة في فن الرسم وتقديم طرق جديدة لرؤية العالم. اليوم، نرى جميعاً العالم بطريقة مختلفة بفضل ما فعله كل من ميرو وماتيس، وهذا ليس بالأمر القليل".
اختيار العنوان "ميرو ماتيس"، بهذا الترتيب، ليس من قبيل الصدفة، بل هو طريقة للاعتراف بكيفية أن الشاب "ميرّو" كان حافزاً "لماتيس" حين شعر في أواخر العشرينيات، وفي أوج نجاح لوحاته عن "الجواري"، بأنه دخل في طريق مسدود. كتب إلى ابنته مارغريت في عام 1929: "أعمل كثيراً، ولكن بعيداً عن الرسم. لقد حاولتُ أن أرسم مرات عديدة، لكن ما إن أقف أمام اللوحة، لا تأتيني أي فكرة".
كان ميرو نفسه قد صرّح قبل عام بأن أعماله كانت تبدو له في ذلك الوقت "مُزرية". طلب "ماتيس" من ابنه "بيير"، الذي كان قد أصبح تاجر أعمال "ميرّو" في الولايات المتحدة، أن يعرض آخر أعماله على الفنان الكتالوني "ميرو"، قائلاً: "أخبرني بما سيقوله لك، ربما يكون ذلك مفيداً لي بطريقة ما".
وعلاوة على ذلك: أراد "ماتيس" أن يُحضِروا له لوحتين من أعمال "ميرو"، ويؤكد أنه سيعيدهما حين ينتهي من دراستهما بعناية. بقيت واحدة منهما على الأقل مع "ماتيس" لمدة عشرة أعوام، بين عامي 1935 و1945. استخلص "ماتيس" دروساً من أعمال "ميرو"، خصوصاً فيما يتعلق بالألوان، كما يؤكد مدير المعرض "لابروس": "لكن ليس هناك معلم وتلميذ. لا يقلد أحدهما الآخر. هناك تحفيز متبادل، وطاقات مشتركة، لكن كل واحد يتبع طريقه الخاص".
إن محاولة البحث عن أوجه تشابه في الأعمال المعروضة في مؤسسة "ميرّو" مهمة غير مجدية، باستثناء اللوحات الرائعة عن "الحياة الطبيعية الساكنة"، القادمة من متحف الفن الحديث في نيويورك، إذ يستهل بها هذا المعرض المليء بالألوان والنابض بالحيوية، وينتهي، في مكان أبعد بكثير، بلوحة "القفاز الأبيض" لميرو و"منظر لنوتردام" لماتيس.
يقول دانيال: "من الرائع رؤية كيف يتجاوب لونان أزرقان مختلفان تماماً". ويؤكد لابروس الحيوية التي تملأ أعمال كلا الفنانين. ويختم قائلاً: "كان ميرّو يتحدث عن اغتيال اللوحة، لكنه اعتبرها جريمة إيجابية، وفكرة الفرح الحيوي هي ما تنقله أعمال ماتيس".