مكتشف العالم الجديد {يهودي}

منصة 2024/11/04
...

  خوسيه بيشيل

  ترجمة: حميد ونيس

كشف تحليل (دي أن أي) لكريستوفر كولومبس، الذي ينسب إليه اكتشاف العالم الجديد (أمريكا)، أنه كان يهوديا من إحدى المناطق الساحلية للبحر الأبيض المتوسط. حيث بثت القناة الوثائقية الإسبانية فيلما كشف عن لغز كبير كان يحيط بشخصية كولومبوس وحياته وسبب اخفائه لأصله. وتبين أنه ليس من مدينة جنوة الايطالية، وإنما كان ينتمي إلى عائلة من اليهود المتحولين القادمين من فالنسيا بحسب البيانات الجينية التي كشفها التحليل، مما أجبره على عدم البوح بحقيقة ولادته.

ويزعم التحقيق الذي أداره خوسيه انطونيو لورينتي استاذ الطب القانوني والطب الشرعي بجامعة غرناطة وبالتعاون مع العديد من المؤسسات الدولية إعادة كتابة التاريخ لتلك الشخصية المثيرة للاهتمام. وكشفت المقاطع السمعية البصرية لشريط من مئة دقيقة عن ثماني نظريات قوية للغاية ويستبعد أن يكون هذا الأدميرال البحري من منطقة غوادالاجارا، أو البرتغال، أو غاليسيا، أو نافاريس، أو مالوركا، وفقًا لفرضيات مختلفة يمكن مقارنتها بالحمض النووي لأقارب افتراضيين. ويؤكد البحث الذي روج له المؤرخ مارسيال كاسترو- مطلع هذا القرن نظرية فرانسيسك ألبردانير حول الأصل اليهودي لكولومبس الذي عبر عن نفسه بأنه إسباني. علاوة على ذلك، كشف التحقيق أنه في الواقع لم يكن شقيقا لدييغو كولون.


رحلات كولومبس العديدة

تشير المعلومات إلى أنّ كولومبس توفي ودفن في فالادوليد عام 1506، ولكن بعد ذلك بقليل تم نقله إلى دير كارتوجا في إشبيلية. وكانت رغبة عائلته أن يدفن في الأراضي الجديدة التي اكتشفوها، وتحديداً في جزيرة هيسبانيولا، فتمكنوا من نقل الرفات إلى كاتدرائية سانتو دومينغو. حيث تبدأ الفوضى من هذا المكان، خاصة عندما انتقلت عاصمة الدومينيكان سنة 1795 إلى أيدي الفرنسيين. من الناحية النظرية، كان الإسبان يأخذون العظام إلى الكاتدرائية في هافانا. وأخيرا، بعد استقلال كوبا سنة 1898، عبرت الرفات المحيط الأطلسي لتستقر للمرة الأخيرة في كاتدرائية إشبيلية، حيث أقيم لها قبر ضخم. ومع ذلك، كان رأي جمهورية الدومينيكان مختلفا، وفقًا للجزء الأخير من القصة. لأنه وأثناء تنفيذ الأعمال في الكاتدرائية سنة 1877 ظهر صندوق معدني فيه أجزاء من عظام ونقش حيث كانت نظرية سلطات الدومينيكان أن الاسبان قد أخذوا الرفات الخطأ، لذلك استمروا في بناء قبر ضخم لكرستوفر وادعوا أن بقايا مكتشف القارة الأميركية كانت ملكهم. واستمر النزاع بين سانت دومينغو واشبيلية حتى يومنا هذا. 

ومن جانب آخر يطرح سؤال ماذا لو كان كلا الطرفين على حق؟ والحقيقة هي أن الجثة التي تم تحديدها على أنها كريستوفر كولومبوس في سانت دومينغو غير مكتملة وأنه في إشبيلية تم الحفاظ على نحو 200 غرام فقط من العظام. ولهذا السبب، يرى بعض المؤرخين أنه في ذلك الوقت، تم نقل جزء فقط من رفات كولومبس إلى هافانا. وكانت حالة المقابر سيئة وربما لم يكن هناك وقت طويل للمسؤولين لانقاذها لم يكن لديهم الكثير من الوقت للحديث عن التفاصيل. ولأجل تجنب الأمور غير السارة ومواصلة الدفاع عن نظريته دون انتكاسات، لم تمنح السلطات الدومينيكية الإذن مطلقًا بإجراء تحليل الحمض النووي لرفاته. وقد تم ذلك في إسبانيا. بالفعل سنة 2003، عندما توصل بحث خوسيه أنطونيو لورينتي إلى استنتاج مفاده أن البقايا المحفوظة في إشبيلية تنتمي إلى كولمبس. ومع ذلك، فإن الكمية الضئيلة التي تم الحفاظ عليها والتي تبلغ 200 غرام من العظام، منعتهم من المضي قدما في التحقيقات. ويتضمن إجراء تحليل الحمض النووي تدمير العينة، لذلك لم يكن لديهم هذا الكم من الترف في التعامل مع الرفات. فيما يتعلق بالقبور المتشابهة، ظلت جميع الفرضيات مفتوحة تقريبا، وهي أن تكون بقية الرفات في سانتو دومينغو أو أن الإسبان أخذوها بالكامل ثم فُقدت لاحقًا أثناء النقل.


مهمة معقدة 

وبهذا المعنى، فإن التحقيق الجديد لا يقدم أي شيء جديد حول مكان وجوده الحالي سوى تأكيد ما كان معروفا بالفعل، وهو أن جزءا صغيرا من رفات كولومبس محفوظ في الكاتدرائية الإشبيلية، رغم أن هذا هو الشيء الوحيد الذي أعلن الباحثون عنه وتصدر الفيلم الوثائقي لاكاديمية الطب الملكية، عناوين الصحف وكان التحدي الحقيقي هو اكتشاف شيء ملموس حول ولادة كولمبس. وتم استئناف الأبحاث التي توقفت منذ ما يقارب عقدين من الزمن، بفضل التقدم الذي سمح بدراسة الحمض النووي القديم. توضح كريستينا فالديوسيرا عالمة الاثار "أن الثورة التكنولوجية في بيولوجيا الجزيئات حدثت بعد العام 2010 عندما تسلسل أول حمض نووي بشري قديم" وتضيف فالديوسيرا أنها بدأت مشروعا بحثيا حول تمازج الأجناس الذي شهدته المكسيك بعد الغزو الإسباني خلال القرن السادس عشر، بعد وقت قصير جدا من وصول كولومبس. "في السابق، لم يكن لدينا سوى الحمض النووي للميتوكوندريا، الموروث من الأم، ولكن الآن يمكننا تسلسل الحمض النووي والذي يخبر عن النسب الجيني من خلال الأم والأب، والذي يمكن من خلاله الحصول على إعادة بناء أكثر دقة. وفي مواجهة الاحتمالات الجديدة التي كانت تتفتح، عاد الباحثون إلى أصول مكتشف قارة أميركا. كان لديهم بالفعل الحمض النووي لكولومبس، والآن يتعين عليهم مقارنته بعينات أخرى للاقتراب من الحقيقة. وحدد مؤلفو العمل نحو 25 نظرية حول مكان ميلاد كولومبس، ولم يتم مناقشة جميعها بمستوى واحد، فركزوا على ثماني نظريات توفر إمكانية مواجهة الجينات. وبعض الفرضيات كانت محددة للغاية لدرجة أنها كانت تتعلق بتحليل الأقارب المحتملين الموجودين في البرتغال، وغاليسيا، وغوادالاجارا، ومالوركا. وفي حالات أخرى، يجب أن تعتمد المقارنة على الحمض النووي السكاني للمكان، مثل جنوة أو نافارا أو فالنسيا. وفي مايس 2021، تم الإعلان عن هذا المشروع الجديد.

رغم كل شيء، فمن المرجح أن الجدل الدائر حول كولومبس لن ينتهي عند الفيلم الوثائقي. لأن المختصين في الأمر سينتظرون معرفة كافة المعطيات قبل الإدلاء بأي تصريح. ومن هذا المنطلق، فإن لورينتي نفسه - كغيره من الذين شاركوا في العمل- رفض الإدلاء بتصريحات، وأكد أن "النتائج العلمية الكاملة والمفصلة" ستعرض لاحقا في غرناطة". ويوضح أن السبب هو أن "بيانات حديثة مهمة للغاية لا تزال قيد التحليل، والتي، دون التأثير على محتوى الفيلم، لها أهمية علمية للخبراء والمؤرخين، لذلك يجب تقديمها بشكل نهائي ومشترك في سياق أكاديمي علاوة على ذلك، سيتم نشر هذه النتائج الكاملة "في مجلة علمية دولية بحيث تكون في متناول جميع الباحثين والخبراء مجانا وتكون بمثابة أساس لأبحاث مستقبلية محتملة حول الشخصيات التي تمت دراستها بالفعل وعلى السكان المرجعيين الأوروبيين." التوقيت ملفت للنظر، لأنه من غير المعتاد جدا أن يتم نشر نتائج الدراسة على عامة الناس دون أن تكون قد نشرت مسبقًا من خلال مقال علمي. تقول كريستينا فالديوسيرا: "أنا متأكدة من أن الأمر قد أُنجز بشكل جيد، لكن من الصعب بالنسبة لي أن أعطي رأيا إذا لم أتمكن من الحكم على البيانات، عندما رأيت أن لغزا كبيرا في تاريخ البشرية سيتم الكشف عنه على شاشة التلفزيون، شعرت بالحيرة بعض الشيء". على الرغم من أن هذا الخبير شارك أيضا في التحقيقات الأولى للحمض النووي لكولومبس، والتي بدأت منذ أكثر من 20 عاما، إلا أنه لم يستمر بعد ذلك في التعاون مع فريق لورينتي. وهو الآن متردد فيما يتعلق بالنتائج المحددة: "من وجهة نظر علمية، فإن تحديد الموقع الدقيق أمر مستحيل"، كما يقول العنصر وكما يوضح، "الحمض النووي، في نهاية المطاف، هو احتمالات، ولا يمكنك التحدث عن أي شيء آخر". وبهذا المعنى، تعتمد هذه الأنواع من الدراسات على "تكرار ظهور بعض الأنماط الفردية على غيرها"، يضيف في إشارة إلى المتغيرات الوراثية. ورغم أنه من الصحيح أن بعض الميزات ستحدث "في بعض المناطق أكثر من غيرها"، إلا أنه يعلق قائلاً: "وهذا لا يعني أنها تقتصر على مكان واحد". وتتسم القضية بالتعقيد بشكل خاص في حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث كانت التبادلات السكانية مكثفة للغاية لدرجة أن "العثور على خصائص محددة لمكان محدد أمر معقد للغاية. ويتفق خبراء آخرون على أنه لا يمكن تقديم النتيجة على أنها حاسمة بشكل مطلق. مع التحليلات التي يمكن إجراؤها، لا اعتقد أنها قابلة للتطبيق. لا يوجد دقة كافية لتحديد من أين أتى كريستوفر كولومبس في أوروبا.


صحيفة "الكونفيدينسيال" الإسبانية