عبد الغفار العطوي
يشكّل مفهوم (الزمن) أكبر لغز في حياتنا، من حيث أنه من الصعوبة أن ندركه بمعزل عن انعكاساته على الأشياء التي حولنا، فالمتغيرات التي تطرأ في كل ما نراه أو نسمعه، أو ندركه نعزوه إلى الزمن دون أن نتحقق من حقيقة أثر الزمن في تلك المتغيرات، في إن كان للزمن دخل فيها أم هي تحدث من تلقاء نفسها، ويبدو أنَّ مفهوم الزمن قد ارتبط بالإنسان مذ أن وعى وجوده الكائن في هذا العالم، ونظر أو تخيل لدور الزمن في ما يمثله من علاقة بينهما،
لهذا بحث عن حقيقة أن للزمن تأثيراً قائماً بحد ذاته، أو هو من جملة التصورات الذهنية التي ابتكرها، كي يتغلب على الظواهر الملازمة لوجوده في حياته، فإدراك أنَّ هناك دوراً ما له في المعرفة التي يتحصلها من عالمه بشرطه، أو بحضوره هو الدافع في جعله يتجه نحو التفكير بذلك الدور الحميم الملاصق له، لكن ارتباط مفهوم الزمن بحياة الإنسان أعطى لمفاهيم أخرى أن تتواجد في ساحة المعترك المحموم لهدف الزمن في أن يصبح مفصلاً مهماً في كينونته وقدره في أن يتفكر لم يدخل الزمن في حياتنا من أبواب متفرقة وليس من باب واحد، سألخص بعض الأفكار عن مفهوم الزمن تناولتها ثلاثة مصادر مهمة، الأول (تاريخ موجز للزمان) للعالم البريطاني الشهير (ستيفن هوكينج) والثاني (حول الزمن ثورة آينشتاين التي لم تكتمل) لـ(د- بول ديفيد) والثالث (تسعة تصورات عن الزمن السفر عبر الزمن بين الحقيقة والخيال) لـ(جون جريبين) على أمل تحقيق فهم واستيعاب النهم الشديد لدى الإنسان منذ القدم لوضع الزمن في إطار محدد لوعيه، في كونه مفهوماً غامضاً لحد الآن رغم ما قطعه العالم من تطورات هائلة في دراسة الزمن، من خلال علاقته بمفهوم الكون، كيف نشأ ومتى نشأ بعد الانفجار الكبير (البيك بانك)
Big bang
إذ اختلف في إن كان الزمن قد بدأ مع الكون في الحدوث، أو قبله، أو بعده، وهذا التفسير الملغز لعلاقة الزمن بالكون في النشأة هي التي لم يستطع الإنسان إيجاد حل أو تفسير مقنعين لها، ستيفن هوكينج في كتابه قد بين جملة من الظواهر المحيرة في تلك العلاقة، وكيف بدا للإنسان منذ القدم أن ما يراه من صورة الكون له صلة بالزمن، عندما كان يعتقد أن الكون لا يتحرك ولا يتغير رغم تعاقب الزمن، وتصور أرسطو أن السبب في هذا التصور هو أن الأرض هي مركز الكون وهي ثابتة، بينما الشمس وكل الكواكب في الكون تدور حولها، وتحولت نظرية أرسطو هذه على يد بطليموس إلى يقين ثابت دعمته الديانات التي أرست نظرية مركزية الأرض كحقيقة مطلقة لا تقبل الشك، وأن الكون والزمن خلقا معاً من بداية الكون إلى نهايته في اتجاه خطي نحو الفناء بعد الانسحاق الكبير، وأن الماضي أفضل من المستقبل في فكرة الانحدار القيمي الذي يعاني منه الكون بجميع مكوناته، ونبه هوكينج على قصور هذه الفكرة التي رفضها كوبرنيكوس بوضع نظرية معارضة لنظرية بطليموس، في مركزية الشمس، وأن الأرض هي التي تدور حولها، مما قلب صورة الكون رأساً على عقب، ثم جاء نيوتن بعده بنظرية الجاذبية التي أعطت مفهوم الزمن بعداً جديدا بعد تجارب غاليلو وكبلر، وانتهت حيرة العلماء من بعد ذلك قليلاً في تصوراتهم النمطية عن بعض مجاهل الزمن، بنظرية آينشتاين في النسبية، لقد صار الزمن بعداً رابعاً في تصور الكون بما يعني أن علينا فهم صورة الكون بالنسبة للزمن، أي حساب الزمن كما بينه د- بول دفيد في دراسة مختصرة للزمن، بوضع مصطلحات معينة تجعلنا نعي مفهومه، فالزمن التخيلي والزمن الواقعي هما المفهومان الأساسيان في معرفة إن كان ثمة علاقة بين نشأة الكون بالوقت نفسه مع وجود الزمن، أي إن بول ديفيد يصر على أن الكون والزمن بقياس الزمن التخيلي يؤشر إلى أن ارتباط بداية الكون كان متساوقا مع بداية الزمن، وأن سهم الزمن كان باتجاه خطي واحد، ومن المدهش أن يتفق الدين والفلسفة والعلم على حقيقة ما توصّل إليه الإنسان، وان اكتشف الفيزيائيون في القرن العشرين حقيقة انهيار الكون مع الزمن في نقطة الانسحاق الكبير عبر قانوني الترموداينميك، لكنّ انهيار الكون مع نهاية سهم الزمن الخطي هو الذي جعلنا نفطن إلى أن الكون في طريقه للفناء يأخذ معه الزمن، وهذا التصور يرفضه العلماء بشدة، زاعمين أن اقتران نشأة الكون مع بداية الزمن تبدو ظاهرة غير موفقة، لأنّ الكون ربما يتعرض لما يدعى تعدد الأكوان، أو الأكوان الموازية التي طرحتها نسبية آينشتاين في نظرية ميكانيكا الكم، وكذلك نظرية الأوتار الفائقة، من حيث أن حركة الكون قد استوعبت الزمن رغم أننا لا يمكننا حساب الزمن في معزل عن الكون، فالكون ليس ثابتا، إنما هو متحرك، وهو كون نصفه مرئي يتضمن مليارات المجرات وهي تطوف في فراغ أسود واسع تهرع بحكم الاتساع المهول منذ 13 مليار عام من نقطة الانفجار العظيم نحو محيط الكون، أو ما يطلق عليه بـ(الجاذب الأعظم) وكون لا مرئي لا ندركه إلا وفق الزمن التخيلي، لهذا بدا أن فكرة السفر عبر الزمن مقبولة في حالة اكتشاف أن الزمن يمكن أن يكون سلبياً، أي يمكن استعادة الماضي، عن طريق السفر بسرعة تفوق سرعة الضوء التي تبلغ 299،792،458 مترا في الثانية جون جريبين في كتابه الأخير (تسعة تصورات عن الزمن) وضع تصوراته عن تلك الفكرة التي تقع بين الخيال والحقيقة، أي استغلال الزمن من أجل السفر فيه، وفق نظرية النسبية التي تزعم أن بمقدور المرء السفر نحو الماضي إذا ما تحرك بسرعة الضوء نحو المستقبل، ويطرح جريبين تصورات السفر عبر الزمن في تفرقته أولاً بين الخيال العلمي والخيال الخرافي، معتمداً على ثقافته الواسعة في هذا المجال، إضافة لخبرته في مسألة الخيال العلمي في مجال السفر عبر الزمن، الذي ابتدأه مجموعة من الكتاب، من هؤلاء على سبيل المثال جول فيرن واتش جي ويلز وآرثر سي كلارك وإسحاق اسيموف، وثانياً بدا أن الخيال العلمي قد قاد الإنسان نحو التفكير ملياً في كيفية السفر، بنقل هذه المحاولة من الخيال الكتابي نحو الحقيقة العلمية، لا سيما أن السفر خارج الغلاف الجوي للأرض قد اكتشف أنه أميل للخيال منه للحقيقة، لصعوبة تطبيق اختراق الضوء، لجملة من العوامل الأساسية التي عرضها علم الكونيات، تحول دون تخطيها، إلا أن علماء الكونيات ما بعد نسبية آينشتاين لخّصوا فكرة السفر عبر الزمن في تمركزها حول إيجاد نظرية تجمع بين نظرية ميكانيكا الكم والنسبية، أي أن تتم معايرة سرعة الزمن بسرعة الضوء، ويكون السفر في الزمن التخيلي.