شروق الشمس.. اللحظة الانطباعيَّة

ثقافة 2024/11/06
...




 جيس فاراغو

 ترجمة: كريمة عبد النبي




قبل أكثر من مئة وخمسين عاماً أحدث كبار الرسامين مثل "مونيه، ديكاس ورينوار" ثورة فنية في عالم الرسم نتج عنها ولادة ما يعرف بالفن الانطباعي أو الحركة الانطباعية، التي نالت شهرة كبيرة منذ ذلك الوقت ولغاية الآن.

وقد شكلت تلك الحركة ثورة فنية وسط عالم الرسم أظهرت نوعا من التحدي في مجال اللوحات. ولغرض الاحتفال بفن هذه الحركة تستعد قاعة الفن الوطني في نيويورك حاليا لعرض لوحتين فنيتين تم وضعهما جنبا إلى جنب. الأولى هي أشهر لوحة للفن الفرنسي بريشة الرسام العالمي كلود مونيه وهي بعنوان "إنطباع، شروق الشمس" التي أنجزها عام 1872 حين كان مستعدا لبداية حياته الفنية. وقد شكلت هذه اللوحة في وقتها حجر الزاوية لمدارس الفن الحديث، حيث اشتق اسم هذه المدرسة الجديدة من اسم لوحته: الانطباعية وهي أول تيار حديث في فن الرسم.

لقد غيرت هذه اللوحة الفن التشكيلي إلى الأبد بعد أن فتحت بابا لحركة الفن الانطباعي ونتج عنها فيما بعد عدد من مدارس الفن مثل التعبيرية والتكعيبية. أنجز مونيه هذه اللوحة بينما كان يعمل على عدد من الأعمال الفنية الأخرى في مسقط رأسه بمدينة لوهافر، المدينة البحرية ذات الميناء والمناظر الطبيعية الخلابة. تمثل اللوحة منظرا طبيعيا يتضمن زورقين صغيرين عند مقدمة اللوحة، ومن فوقهم ضوء الشمس التي ينعكس لونها الأحمر على الماء. ويظهر في وسط اللوحة عدد من قوارب الصيد الى جانب سفن طويلة السواري من خلفية الجانب الأيسر وإلى الخلف تظهر أشكال ضبابية تبدو وكأنها مداخن قوارب بخارية.

حين رسم مونيه هذه اللوحة لم يكن فنانا معروفا، وقد حظيت اللوحة باهتمام متواضع من قبل رواد المعرض الشخصي الذي أقامه الفنان عام 1874 بسبب الضبابية غير الواضحة الملامح. وعلى العكس من هذه اللوحة، حظيت لوحة الرسام والنحات جان ليون جيروم باهتمام كبير من قبل النقاد. وتمثل اللوحة منظرا يمثل تاريخ النظام الملكي في فرنسا خلال القرن السابع عشر. يقدم معرض قاعة الفن الوطني الذي يقام تحت عنوان "باريس 1874: اللحظة الانطباعية" تقييما لمختلف اتجاهات الفن وما حصلت عليه من شهرة عكسها التغير الثقافي خلال العام 1874. لقد تسيد جيروم عالم الفن من خلال لوحاته الفنية التي استضافتها معارض فرنسا الفنية طيلة قرنين من الزمان. كما طغت شهرة هذا الفنان على صالونات الفن، التي اشتهرت كونها المكان الذي يمنح الشهرة والقيمة الفنية.  ولكي يرى الفنان أعماله معلقة على جدران هذه الصالونات، كان عليه أن يحصل على موافقة هيئة من المحلفين تتميز بالدقة في اختيار الأعمال الفنية حتى أنها رفضت قبول عرض أعمال الرسام الفرنسي الشهير أدوارد مانيه والرسامين الشهيرين في ذلك الوقت "بوغيرو" و"ألما تاديما" اللذين كانا من كبار فناني عصرهما. 

كما وتستضيف قاعة الفن الوطني خلال الفترة اللاحقة عددا من اللوحات التي ظهرت منذ افتتاح صالون 1874. في تلك الفترة سعى مونيه الى إنشاء معرضا بالاشتراك مع ثلاثين من الفنانين المستقلين بضمنهم نحاتون وخطاطون. وقد استأجر هؤلاء الفنانون استوديو من المصور نادار لغرض إقامة معرضهم الفني عليه، بعد أن تشارك الجميع بمبلغ كلفة إقامة المعرض، كما تشاركوا العوائد المالية التي حصلوا عليها من إقامة هذا المعرض. وقد عمل معظم الرسامين الذين شاركوا في هذا المعرض على رسم الطبقة البورجوازية التي ظهرت في العاصمة الفرنسية باريس التي كانت آنذاك مدينة التجارة والموضة. وقد مثلت معظم لوحات هؤلاء الفنانين، بضمنهم مونيه وديغاس ورينوار، الحياة الباريسية في ذلك الوقت.  وقدم هؤلاء الرسامون عدداً من اللوحات التي صورت الحياة بعد الحرب الفرنسية- البروسية التي خسرتها فرنسا عام 1870 والمعاناة التي عاشها فنانو ذلك الوقت، فعلى سبيل المثال فقد مونيه صديقه الرسام فردريك بازيل الذي شارك مونيه في الأستوديو حيث توفي هذا الرسام في جبهات القتال بعد أن تمت محاصرة العاصمة باريس وخلع نابليون الثالث. وقد انعكست معاناة الهزيمة في معظم لوحات رسامي تلك الفترة. وكان ما يميز ذلك المعرض مشاركة الرسامة الفرنسية بيرث موريسو التي تعد من مؤسسي المدرسة الانطباعية بعد أن بدأت موهبتها الفنية في سن مبكرة. وقد تم قبولها في صالون الفن وهي لم تتجاوز سن الثالثة والعشرين. عكست معظم لوحاتها حياة المرأة والموضة السائدة في ذلك الوقت.

بعد أحداث عام 1874، ولدت جمهورية جديدة تغيرت فيها الثقافة بعد الأحداث التي جرت وكان ذلك التغيير واضحا عبر لوحات فناني الحركة الانطباعية.


  عن صحيفة نيويورك تايمز الأميركية