عبدالزهرة محمد الهنداوي
لستُ مبالغًا، إذا قلت، إن العراق يتفرّد بمزايا سياحية، غير موجودة في كل بلاد المعمورة، فمن النادر أن تجد بلدا يحتوي على كل أصناف السياحة، (التاريخية- التراثية، الطبيعية- الدينية)، ومثل هذه الميزة المتفردة، يمكن أن تصنع تكاملا اقتصاديا مثاليا، اذا ما تم استثمارها بنحو سليم، والاستثمار هنا يحتاج إلى الكثير من التفاصيل، ترتبط بالجوانب الاجتماعية والأمنية والسياسية، وغيرها، وكان ينبغي أن تحظى السياحة باهتمام استثنائي، لكي نحظى بمردوداتها الاقتصادية، التي ربما تفوق إيرادات النفط، الذي ما زال يمثل المورد الرئيس والممول الأبرز للاقتصاد العراقي.
في تموز ٢٠١٦، أعلنت اليونسكو عن إدراج الأهوار العراقية ضمن لائحة التراث العالمي، وقد فرحنا ايما فرح بهذا الحدث الكبير، الذي جاء بعد جهود جبارة ومضنية أفلحت في نهاية المطاف بهذا الإدراج، ولكن السؤال الذي وُلِدَ في ما بعد، ما الذي تغيّر في واقع الأهوار بعد ذلك القرار؟
بتقديري أنها ما زالت على حالها بعد ٨ سنوات، من تحولها من المحلية إلى العالمية، فالسائح إليها لا يجد كلَّ ما يحتاجه من متطلبات، وبالتالي فإن عدم توفر مثل هذه المتطلبات يؤدي إلى حالة من العزوف خصوصا في فصل الصيف.
إن كلامي بهذا الشأن، ياتي في ظل حالة الترقب والانتظار لتسمية عاصمتنا الحبيبة بغداد عاصمةً للسياحة العربية لعام ٢٠٢٥، وهو حدث، كبير لو تحقق، وكل المعطيات تشير إلى أنه سيتحقق، فَأَنْ تكون بغداد عاصمة للسياحة العربية، فمعنى ذلك أن ضوءًا ساطعا سيُسلط على السياحة والاثار في بلاد وادي الرافدين، وسيكتشف العرب والعالم، تفرّد بغداد واخواتها مدن العراق، في مجال لطالما سعى بعض الإعلام العربي إلى التعمية والتغطية عليه، ولكن ولأن الشمس لا تُحجب بغربال، فإن العرب ومن بعدهم العالم بأسره سيقف مبهورا مشدوها امام ما سيشاهده من تأريخ عملاق، ومعالم سياحية، لا يمكن الإحاطة بها بسهولة.
وفي ضوء خريطة المواقع السياحية، هناك (١٧) موقعًا سياحيًّا معروضًا للاستثمار، بينما يوجد أكثر من (٣٦) ألف موقعٍ أثري معلن عنه، وهناك أكثر من (٤) آلاف موقع آخر لم يعلن عنه بعد، ومعنى ذلك أننا نتحدث عمَّا يزيد على (٤٠) ألف موقع أثري، تغطي خريطة العراق بالكامل.
ولكن السؤال هنا، ما الذي نحتاجه لتنمية السياحة في البلد، ونجعل منها فاعلا مهما في تشكيل الناتج المحلي الاجمالي، ونتخذ من اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية، منطلقا، نحو تحقيق هذا الهدف؟
قطعا أن المهمة ليست سهلة، ولكنها أيضا ليست مستحيلة، لا سيما في ظل الاستقرار الذي يشهده العراق، مع وجود إقبال واضح للمستثمرين الأجانب في مختلف المجالات، أقول إننا بحاجة إلى إعادة تأهيل الكثير من المواقع الأثرية، التي تعرضت للاندثار أو التخريب، فضلا عن زيادة الحركة التنقيبية عن المواقع غير المكتشفة، ورفع وتيرة الجهود الدبلوماسية لإعادة الآثار المهرّبة أو المستعارة، كما أن الحاجة ملّحة وضرورية لتطوير وتنظيم وإدارة السياحة، التي تسهم في استدامة السياحة وتطويرها، والاشارة في هذا الجانب تأخذنا إلى ضرورة منح المزيد من التسهيلات للمستثمرين، في قطاع السياحة، للمساعدة في تنفيذ وتمويل وادارة المشاريع الجاذبة للسياحة في مختلف المحافظات.
ويمكن الحديث أيضا عن إمكانية إقامة متاحف أثرية في جميع المحافظات، على اعتبار أنه لا توجد محافظة ليس فيها مواقع اثارية، كما أن ملفّاً بهذه الضخامة، يحتاج إلى إدارة على مستوى عالٍ من الامكانات، وهذا يستدعي بطبيعة الحال، تعزيز وتطوير القدرات الفنية والادارية للعاملين في القطاع الأثري والسياحي، وتشجيع الدراسة في الكليات والمعاهد المتخصصة في هذا المجال.
ونبقى بانتظار القرار بتسمية بغدادنا عاصمة للسياحة العربية لعام ٢٠٢٥ وكل الأعوام.