خضير الزيدي
لا يمكن عزل ما يقدمه رضا فرحان من منحوتات ذات طابع مليء بالاستعارة عن أجواء وطبيعة الوقائع واليوميات التي نعيشها، فهو مسكون بولع كبير في رصد الأحداث، وكأنه مدون من نوع خاص لهذا تعيرنا تجاربه، التي قدمها منذ زمن بعيد هالة من التمثيل الفني والجمالي الذي لا يتعارض مع متطلبات المتلقي وما يريد رؤيته.
عرف عن النحات رضا فرحان أنه يتميز بمهارة في أداء فعل النحت، ويحدد لنا محور ما يود الافصاح عنه، اضافة للتشبث بنزعة جمالية اكتسبها من رصانة رؤيته اتجاه فنه وطريقة أسلوبه، والملفت أنه اختلف عن اقرانه في سياق المهارة بما يؤهل عمله أن يكون التكوين الرمزي فيه على وفق اخضاع دائم لمرجعيات جمالية، ينمي عناصر بنائها بخروج أشكاله عن طابعها التركيبي.
لقد استطاع أن يؤلف في مقاصد معينة لتكون معالجاته ذات صبغة تتوزع بين العمل المؤلف من تعدد العناصر وبين سياق حامل لعلامات في التنظيم والمعالجة، فما الذي يبديه هذا النحات من تصور أو اشتغال معرفي وفني؟
في الغالب من منحوتاته البرونزية، لا يتخيل الغرائبية في النحت ولا يذهب بمنجزاته خارج الوقائع التعبيرية، فهو يكشف في أساليبه عن طاقة تجسيد بنائي وشكلي مختلف، تبدو فيها العلاقة بين الشكل والمحتوى غاية في الانسجام، إضافة إلى تقنيات لها استقلالية عبر نجاح الممارسة، وهي ممارسة مليئة بالحماسة والتفكير، وإذا تأملنا اشتغالاته الأخيرة، فسنجد جزءاً كبيراً منها غارق في ملامح تعبيرية معدة لقراءة وتأويل ما تتضمنه من معانٍ وتصورات تحتفظ بها ذاكرته ووجدانه. أنه ميول نحو استعادة نحت لا ينفصم عن واقع وطبيعة وعلى استعداد دائم للتحدي، من أجل كل جديد يرتبط بنسيج من علاقات لها صلة وثائق بتاريخ الإنسان.
ينظر فرحان إلى الفن عبر متوالية يظهر فيها الانتساب إلى المكان العراقي غارقة في الخطاب، سواء عبر شخصيات تاريخية أو مواضيع محلية وحتى استعاراته في أبداء الراس المقطوع أو الجسد النحيف، هو تماثل في ذروة التمسك بقدرة توظيف التيار الواقعي لإبراز الظروف الموضوعية المراد تأكيدها، أنه اندفاع له مبرراته بما يعكس معاينة الخطاب، أو تحديد المزاج الفني، أو كونه استثمارا لبنية التحول في النحت بشكل يجعل من واجهة أغراضه ذات تعبير حقيقي وليس متخيلا.
في الحقيقة يبدو ذلك اندفاعا ملتصقا، بما يعيره من اهتمام متزايد لإنجاز فن يليق برؤيته والإصغاء لندائه الداخلي، وقد نرى تنوعاً في الأسلوب والمهارة وهو تحصيل حاصل لقدرة خيال وجماليات خطاب فني ملتصق بالمحلية مع ذائقة لا تتعارض مع فروض قراءة الواقع بكل تعارضاته وميوله، فكيف يتم تحديد واجهة ذلك النحت المليء والغارق في الاستعارة؟
إنه نوع من معادل له أوجه الشبه بين خيال هذا النحات ومبدأ المثالية في عوالم العمل النحتي في الحقيقة يظهر سيلاً من الاختلاط بين أشكال تحدد ما هو عقلي وحدسي، بحيث يبدو العمل والأسلوب الفني لديه مفارقة ومعالجة لنسق وضرب من الجمال مع خلاصة فن تعبيري بدا لنا، وكأنه موضع اهتمام متزايد من طريقة وتفرد ما يعمل عليه رضا فرحان.
لنقل إن دقة التنظيم عبر تكامل عناصر نحته وعمل اشتغاله جعلتنا ننظر إلى نزعته الشكلية بإثارة وفهم معين، وهذا التأسيس هو موضع التباس لمن لم يعرف دقة ما يريده النحات الإشارة إليه، وكل ذلك يندفع بتثبيت هويته وأهدافه ومراجع ما يؤمن به كثوابت حية يسعى اليها ويقدمها كتصورات تبقى مرافقة لأعماله النحتية.
حاول هذا الفنان تغيير مساراته الأسلوبية من خلال معالجات في الشكل، وبدت قدرته تتخطى حواجز أسلوبه القديم، بعد أن أنجز العديد من المنحوتات، التي تثير وصفا شكليا ذات دلالة رمزية مع الاحتفاظ على تحقيق دوافعه الشعورية ومقاصده التعبيرية، وأظهر لنا أعمالا تنطوي على حقائق ولمسات تمثل الواقع بعيدا عن هوس الغرابة في الاشكال أو خطاب حداثة لم تنتم لمشروع الذاكرة الحية وهكذا بانت الأعمال محاكاة مزودة بطاقة تعبير
تستند لقاعدة رصينة من الاشتغال الأسلوبي الذي يبتعد عن اية ثغرة ترافق طريقة تعامله مع خامات مثل البرونز أو الحديد والخشب المهم عنده أن العمل في نهاية المطاف يلقي بثيمته وينجذب إليه
المتلقي.