البصرة: عواطف مدلول
قبل عشر سنوات، كان ماهر عويد، الشاب البصري البالغ من العمر 27 عامًا، يواجه تحديًا كبيرًا مع اللغة الإنجليزية. لم يكن يعرف سوى بعض العبارات الأساسية، التي تعلمها في المدرسة مثل "صباح الخير" و"مساء الخير". لكن، بفضل عزيمته وإصراره، تمكن من تغيير مجرى حياته وتحويل حبه للغة الإنجليزية إلى مصدر رزق ونجاح مدهش.
بدأت قصة ماهر عندما كان في السابعة عشرة من عمره، حيث عمل في شركة أجنبية وواجه تحديًا كبيرًا في التواصل مع زملائه من جنسيات مختلفة. كانت اللغة الإنكليزية هي وسيلة التواصل بين الموظفين، وكان ماهر هو الوحيد الذي يجد صعوبة في فهمهم أو التفاعل معهم. هذا الموقف، الذي تكرر مرارًا، ألهمه للبدء في تعلم اللغة. يوضح ماهر: "كنت أرى زملائي العراقيين يتواصلون بسهولة مع الروس واليابانيين والصينيين، وكان الأمر يزعجني، لأنني كنت عاجزًا عن المشاركة. قررت أن أتعلم وأتقن اللغة، وأصبحت هذه اللحظة نقطة تحول في حياتي."
لم يكن الطريق سهلاً. كان ماهر يواجه العديد من الصعوبات، منها السخرية من محاولاته الأولى في نطق الكلمات بشكل صحيح، لكن ذلك لم يثنه عن المضي قدمًا. بدأ بالاستماع والمشاهدة، ثم تدريجياً بدأ في استخدام طرق تعلم مبتكرة. بمرور الوقت، استطاع أن يتقن اللغة، بل ويصبح مصدرًا للعلم لغيره.
اليوم، بعد تسع سنوات من الجهد المستمر، أصبح ماهر عويد مثالاً يحتذى به في عالم تعلم اللغة الإنكليزية. أسس قناة على يوتيوب خصصها لتعليم اللغة الإنكليزية، حيث وصل عدد متابعيه إلى أكثر من 34,000 متابع وحصدت مقاطع الفيديو التي نشرها أكثر من مليون مشاهدة. بالإضافة إلى ذلك، أنشأ أكاديمية "علمني للتعليم والتطوير"، التي تقدم دورات تعليمية عبر الإنترنت، حيث تعلم فيها أكثر من 600 شخص خلال ثلاث سنوات.
رغم تخرجه في كلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية في جامعة البصرة عام 2022، إلا أن ماهر لم يحصل على وظيفة رسمية حتى الآن. لكن، بدلاً من الاستسلام، قرر تحويل شغفه بالإنكليزية إلى مصدر دخل. يقدم حاليًا دورات تعليمية عبر الإنترنت، ويعرض مقاطع فيديوية مجانية على منصات التواصل الاجتماعي، مثل الـ"يوتيوب وفيسبوك وإنستغرام".
يتحدث ماهر عن التحديات التي يواجهها الشباب العراقي في تعلم اللغة الإنكليزية، ويعزو ذلك إلى عدة أسباب، أهمها ضعف نظام التعليم في العراق في هذا المجال. يقول: "رغم أن العديد من العراقيين درسوا اللغة الإنجليزية في المراحل التعليمية المختلفة، إلا أنهم لا يحققون النجاح المرجو، ما يفقدهم الثقة في قدرتهم على اتقانها. كما أن تجربة التعليم الإلكتروني خلال جائحة كورونا أسهمت في تعزيز الاعتقاد بأن التعلم عبر الإنترنت غير فعال."
ويضيف أن الانغماس في العالم الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي هو أيضًا من العوامل، التي تجعل الشباب يبتعدون عن التركيز على تعلم اللغة، بسبب تعدد المحفزات التي تشغل انتباههم بعيدًا عن هدفهم التعليمي.
يؤمن ماهر بأن تعلم اللغة الإنكليزية ليس مستحيلاً إذا توفرت الرغبة والإصرار. ويوجه نصائح ثمينة للمتعلمين الجدد، قائلاً: "من الضروري أن يكون لديك دافع قوي. يجب أن تدرك أن التعلم يتطلب استمرارية، فلا يمكن تعلم شيء اليوم ثم التوقف لمدة أيام أو أسابيع. البداية هي الأساس، ولذا يجب اختيار المعلم المناسب في البداية."
أما بالنسبة لمشكلة النسيان، فيوصي بتقليل كمية المعلومات وزيادة التكرار.
يوضح: "التعلم يعتمد على الممارسة أكثر من الحفظ، حيث يجب تخصيص 90 % من الوقت للممارسة و10 % فقط للفهم والحفظ."
ويضيف: "من المهم أيضًا تحديد الهدف من تعلم اللغة، هل هو التحدث فقط أم تعلم القراءة والاستماع والكتابة؟ بعد تحديد الهدف، يمكنك تقسيم الجهود بين تعلم الأساسيات مثل القواعد والمفردات، وبين التدريب والممارسة على تلك المهارات."
ماهر عويد، الذي بدأ رحلته مع اللغة الإنكليزية من نقطة الصفر، أصبح اليوم أنموذجًا ملهمًا للكثيرين. فبفضل عزيمته وصبره، نجح في تحويل حلمه إلى واقع، وأصبح معلمًا للعديد من الطلاب الذين يسيرون على خطاه. طريقه يُظهر أن الإرادة والتفاني يمكن أن يحولا أي صعوبة إلى فرصة، وأن التعلم المستمر هو مفتاح النجاح في أي مجال.