هذه القصيدة كنهر الحياة الذي فقد ارضه فتحول الى شلال من غضب، فهي بداية لتشكيل ملحمة لمابعد كلكامش، ربما هو حضر متأخراً الى بلاده، ليجد أن حضارته البهية التي سعى الى نبتة الخلود من اجلها
، قد تحولت الى حضارة من عدم، ويجد الشر يرتدي ثوب الخير ويحكم باسمه، وان شعبه الذي منح العالم الحضارة والكتابة والشعر والتاريخ والمعرفة خانع، راض، وقانع بالقليل القليل من خيره المنهوب ، وقابل لما يجري وصمته صمت المقابر، بل الكثير منهم اتبعوا ما تتلو الشياطين
من الناحية الموسيقية القصيدة بعنفوانها وحضورها المبجل تطابق موسيقى ركوب الفالكيري – للموسيقار ريتشارد فاغنر – فنلاحظ ان قوة الشعر المتنامية في الكلمات المصنوعة من أثير موسيقى قاسية ومتعالية ومتمردة على النوتات التي دونتها ، حيث الكمانات بأقواسها الوترية تسحب العبارات الى الواقع بينما آلات الهواء تدفع المعنى الى السمو ولها امتدادات في التأويل، فالعبارة قصيرة ومفعمة بالحيوية ، ومختزلة ومكثفة للمعنى متتالية ومتواترة ووثابة الى غايتها وهذا ما يبتغيه الشاعر من خلال الرغبة الهائلة التي يبديها في عرض بانورامي ملحمي تشتد فيه ازمة الحياة، تبدأ القصيدة بهذه الكلمات التمهيدية .
يتضوّر الرمل باكيا / رعونة أقدام القطيع
لتتبعها بعد ذلك دوامات على شكل موجات موسيقية تشكل لوحات تشكيلية، تبدأ اللوحة الاولى بكلمة يشهق فيقول الشاعر:
يشهق ...
حيث تنتحر مرافئ الأزمنة / بجناية اليباس
تحترق الفصول / بلهب العواصف
يشتعل شغف النواعير/ حينما ينضب ماء السواقي
تسرق شراهة طوفان الندم
ثم تبدأ الدوامة الثانية وبدون فاصل زمني بكلمة ممرات الحلم ويتوالى بعد ذلك تشكيل صور اخرى للوحة يحاول الشاعر استخلاص الحقيقة عارية عبر الدفق المتمرد في اشد اللحظات المأزومة والحرجة القابلة للانشطار والتشظي.
ممرات الحلم/ حيث لا مرور الى مناسك الأمل/ في ضجيج المدن (الخشخاش)/ تتجلّى (الحقيقة) خائبة
خلف قضبان المحنة / مأزومة تبكي وداع الصادقين
تنهزم زرافات الأماني /مهاجرة في دروب اليأس
وتسخر المقادير من قبائل الدمى.
تبدأ الدوامة الثالثة بجملة شغب الغجر يذهب الشاعر شلال عنوز بعيداً في التراجيديا حتى يجسد غسق الحياة؛ ويؤكد قدرة الموسيقى على الحضور في الكلمات، يصحبنا فحيح الافاعي وعواء الذئاب، وكأن الشاعر يتماهى مع المأساة، يروض المشهد غير القابل للترويض ويجسد الواقع كما هو، وبذهول مرعب كوجه الميدوزا في
المرأة.
شغب الغجر / الممتلئ بفحيح الأفاعي
وبلاهة الخرافات/ ولا شيء الا عواء ذئب المأساة / يتمترس مستبدّا في رؤاك المبعثرة/ منذراً ديمومة شهقات الفواجع/ أزليّة الهلاك الجمعي/ هنا تموت بالتقسيط / في لُبِّ صمت المقابر / تقيم طقوس شعائر /موتك المجّاني
تشكيلياً، صور القصيدة تشكل لوحة اشبه بلوحة انتصار الموت للفنـان الهولندي بيـتر بـريغــل الأبّ، فنجد ان الحياة محاصرة من كل الاتجاهات دون شفقة أو رحمة. لكن هناك شيئاً مضاداً، انها الحقيقة التي تحترق في داخلنا وتحاول أن تلتمس الحياة وتجعلنا ننتظر عشبة كلكامش التي تلوح من بعيد خارج القصيدة، وهذا ما برع فيه الشاعر شلال عنوز
فما زالت: هنا المشاوير حبلى/ ولم تزف (الآزفة)...
صمت المقابر/ نص / شلال عنوز
يتضوّر الرمل باكيا / رعونة أقدام القطيع
يشهق .../ حيث تنتحر مرافئ الأزمنة / بجناية اليباس
تحترق الفصول / بلهب العواصف / يشتعل شغف النواعير/ حينما ينضب ماء السواقي/ تسرق شراهة طوفان الندم/ ممرات الحلم/ حيث لا مرور الى مناسك الأمل/ في ضجيج المدن (الخشخاش)/ تتجلّى ( الحقيقة) خائبة /خلف قضبان المحنة / مأزومة تبكي وداع الصادقين/ تنهزم زرافات الأماني / مهاجرة في دروب اليأس/ وتسخر المقادير من قبائل الدمى/ هنا وأنت تجاور صمت المقابر / لا تكون الا وشاية تقبّل لحد الصمت/ أخدود وجع يزفر عند نهايات الهاوية/ يومئ الى هزيمة تأكل مناسيب القلق/تتعرى كغانية سرقت جدائلها / في ليلة النكول/ أو كالعبان بلا رأس / يرقص في ميدان/ شغب الغجر / الممتلئ بفحيح الأفاعي / وبلاهة الخرافات/ ولا شيء الا عواء ذئب المأساة/ يتمترس مستبدّا في رؤاك المبعثرة / منذراً ديمومة شهقات الفواجع/ أزليّة الهلاك الجمعي/ هنا تموت بالتقسيط /في لُبِّ صمت
المقابر.