الفنان سلفادور دالي (1904 - 1989) شخصية رئيسة في الثورة السريالية، وعرف أبسط الأحداث الفكرية اليومية وانعكاساتها في التطور العلمي للمادية الجدلية والعقائد الفلسفية المزيفة بناء على الأساطير.
يخبرنا في عام 1941 أن بعض الرسامين الذين كانوا ثوريين بعنف، محطمين لكل القوالب الجصية الخاصة بالقوالب الأكاديمية، وكانوا قد بدؤوا في عمرهم الأشيب – بعد أن فات الأوان- يلتزمون بالرسم بأكبر قدر ممكن من الأكاديمية ومع شعورهم بالعار من القوالب الجصية التي تحطمت خلال تسخيفهم اللامسؤول للتقاليد في شبابهم.
كل شي اخترعه السرياليون لم يشكل لدى الفنان "رافاييل" سوء جزء صغير من موهبته، لكنه، كما يذكر دالي، بأنه "كان محتوى واعياً للأشياء المتوقعة المخفية الواضحة. لكن هذا كله كان مترابطاً ومكتملا تماماً، ويشكل "كلا واحدا"، ولهذا السبب تحديداً يخفى على معاصرينا. إن قصر البصر التحليلي والميكانيكي الذي تتحلى به مرحلة ما بعد الحرب تخصص في آلاف الأجزاء التي يتألف منها العمل الكلاسيكي، مما جعل كل جزء تم تحليله نهاية تم رفعها بحد ذاتها كراية لاستبعاد البقية التي انطلقت كقذيفة مدفع"، والتي يعنى بها أن كل مذاهب الفن لم تكن سوى قذائف مدافع توجه كل منها إلى مشكلة موجودة في العمل الكلاسيكي. من الصحيح أن قذائف المدفع كانت وسيلة لجعل أي شيء مسموعا بعد الحرب. وكلها ستفيد الاعمال الكلاسيكية، مثلا هناك احتمال كبير أنه في عناصر الزينة- النقوش، القوالب، أجزاء مهارية أخرى في اللوحة.
كانت الحرب قد حولت الرجال إلى همجيين، وفقا لسلفادور دالي وهو يعترف في كتابة "الحياة السرية" ترجمة ميتم الضايع، بأنه لم يعد أحد يدرك أي شيء لا ينفجر. لم يكن بالإمكان فهم السوداوية الميتافيزيقية المتأصلة في الإدراك إلا في مخططات وكراريس رسوم شيريكو. بينما في الواقع كانت هذه العاطفة نفسها حاضرة بين آلاف الأحاسيس الأخرى لدى "بيروجينو ورافاييل وبيرو ديلا فرانشيسكا". وكنا نجد لدى هؤلاء الرسامين والآلاف غيرهم أيضا مشكلات التأليف التي طرحتها التكعيبية. ومن وجهة نظر الإحساس - إحساس الموت، إحساس الشهوة الجنسية المتجسد في كل جزء ملوّن، إحساس اللحظية الخاص "بالابتذال" الأخلاقي – ماذا كان بوسع المرء أن يخترع خلافاً لما عاشه "فيمر" سلفاً بصفاء بصري مفرط فيه شعرية موضوعية وأصالة محسوسة تفوق الأعمال العملاقة والمجازية للشعراء مجتمعين. أن تكون كلاسيكياً كان يعني أنه يجب أن يكون هناك الكثير من "كل شيء"، وهذا الكثير في مكانه بشكل مثالي، ومنظم بتراتيبية بحيث تصبح الأجزاء المطلقة في العمل مرئية بشكل أقل. وبهذا كانت الكلاسيكية تعني الدمج والترابط والكونية والإيمان، بدلا من القسيم والتجريبية
والشك.
كثيراً ما أحدث دالي جدالاً عن حالته هذه، ولكنه كان يؤكد بأنه لم تكن حالتي هي حالة عودة دورية ومحبطة إلى التقاليد – الكلاسيكية الجديدة، التوماوية الجديدة التي كان المرء يسمع بها في كل مكان، والتي تنشأ من تعب "المذاهب الفنية" وغثيانها، بل على العكس كانت تأكيدا قتالياً لتجربتي الكاملة في روح تركيبة "غزو اللا منطقي" وتأكيدا على الإيمان الجمالي.
في مذكرات سلفادور دالي نتعرف على ذاكرة دالي الطفولية الزائفة والحقيقية، وعن تجاربه الفنية والتقنية وفترة التدريب وموافقة الأب على عمله في الفنّ، ورحلاته، وحكايات فنية أخرى في المجتمع الارستقراطي، وكذلك منصبه في الثورة السريالية "الموضوع السريالي" مقابل "الحلم المسرود"، ونشاط الارتياب النقدي مقابل التلقائية، وكلاسيكية روحه والتحول والموت وغير ذلك. وفي نهاية الاعترافات يقول سلفادور دالي: "في هذه اللحظة، لا أملك الإيمان بعد، وأخشى أنني سأموت من دون
السماء".