حازم رعد
ان ما نعنيه بيوم الفلسفة هو مناسبة عيد الفلسفة وعادة ما يحتفى في الاعياد وتختلف طرق الاحتفاء من مناسبة لاخرى ومن مجال لمجال لآخر، ونحن في حقل الفلسفة يأخذ احتفاؤنا اشكالاً مختلفة فتارة تكون ندوات علمية او جلسات نقاشية نتناول فيها موضوعات واشكاليات راهنة لها تأثير في حياة الناس تطارح فيها الافكار ووجهات النظر العديدة للخلوص في نهاية تلك الملتقيات الى ثمار وافادات علمية وفكرية.
وللأهمية القصوى للفلسفة في حياة الانسان تحتفي اليونسكو في الخميس الثالث من شهر تشرين الثاني من كل عام باليوم العالمي للفلسفة، تحتفي في هذا اليوم وتقدم التهنئة للمشتغلين في الحقل الفلسفي وتصدر بياناً في المناسبة تحض فيه الفلاسفة والعاملين في هذا المجال على مواصلة الجهود لنشر العقلانية في المجتمع الانساني واعتمادها كسيرة وطريقة حياة واسلوب عيش، ذلك لان الفلسفة تميزنا عن الاقوام الهمجيين الذين اقالوا عقولهم من وظيفة التفكير او سلموها لاخرين يتصرفون بها كيفما شاؤا او كيفما تعود بالفائدة على الايديولوجيا التي هي دائما على النقيض من الفلسفة.
ان الاحتفاء باليوم العالمي للفلسفة يكون عبر استذكار الجهود الذي بذلت من قبل الافذاذ من الفلاسفة وكانت غايتهم “البحث عن الحقيقة” او التشبه بالالهة بما استطاعت لذلك قدراتهم وامكانياتهم، ونستذكر ما لاقوه من معاناة ومأسٍ وهلكة في هذا الدرب فقد تعرضت الفلسفة لاكبر عمليات الاضطهاد والتعسف لانها ارادت تحرير الانسان من الاغلال التي اوثقت بها رقبته وجعلته رهين التسليم الاعمى للافكار والخضوع تحت طائل الايديولوجيا والصمت ازاء مختلف الضغوطات التي يتعرض لها الانسان نستذكر محاكمة سقراط واعدامه بتهمة الاختلاف بالرأي ونستذكر نفي افلاطون وبيعه في سوق النخاسة لانه كافح من اجل رسم معالم نظام سياسي يحظى فيه الانسان بقدر من التربية والكرامة، ونستذكر كذلك محنة ابن رشد والملا صدرا الشيرازي، وليس ذلك فقط بل نستلهم منهم الافكار والعبر وكيف ان الفلاسفة قدموا لنا على مائدة انضج الافكار لبناء الدولة وارساء الديمقراطية وافكاراً تنشد سعادة الانسان ورفاهه واخرى تدعو الى طمأنينة الانسان.
ان كل ما سبق يخطرنا بأن تاريخ الفلسفة هو تاريخ للعالم ولولاها لما نعمت البشرية بهذا النضج العقلي والتقدم التقني والتكنولوجي.
وبرأيي ان الفلسفة مشروع كبير “مستقل” يوازي المشاريع الاخرى المطروحة بين الناس للاجابة عن تساؤلات مهمة تساؤلات وجودية وعملية تتعلق بطرق العيش وامكانية تحقيق طمأنينة عقلية، ولذا نجد اول نشأتها كانت في جغرافيات لم تعرف الدين السماوي ولا الوحي ولا هاته المستويات من الوعي ويمكن اخذ “اليونان القديمة” كمثال على ذلك.
وبما ان الانسان محتاج الى اجوبة عن الاسئلة الوجودية فقد استثمر العقل لتحقيق تلك الاجابات، اذن الفلسفة مشروع مستقل لوحده يوازي المشاريع الاخرى، فهي تقدم لنا رؤية كونية عامة وتحدد لنا الطرق العلمية التي يفترض ان يسلكها الانسان في هذه الحياة.
ان يوم الفلسفة هو تعبير عن لحظة صناعة الحياة عبر اعمال العقل ومواصلة جهود الفلاسفة العظماء ممن سبق في تحريك عجلة التاريخ وابتكار ادوات ووسائل عيش الحياة.
ان يوم الفلسفة يمكن عده خلقاً جديداً لذهن الانسان بتحويل بوصلته من تفسير ظواهر الطبيعة وفق الاسطورة “المثيوس” والتحول به الى اللوغوس وجعل العقل محوراً في التفكير والتحرر من اغلال اصنام البشر.
فقولنا بدأت الفلسفة على اعقاب الاسطورة “ معناه ان الانسان كان بحاجة ماسة الى رؤية ولو اسطورية تفسر له تلك الظواهر ومنشأها وما مدى تأثيرها في واقع الانسان ومصيره لتزيل مخاوفه وتهدئ من روعه، وتضعه على الدرب وفق تصوراته الساذجة تلك فكان ظهور الفلسفة ثورة كبرى قلبت ذلك الواقع.
ان تحديد يوم عالمي للفلسفة يؤكد اهميتها وراهنيتها وحضورها في الواقع وقدرتها على اجراء التغيير في رؤيتنا للاشياء وانتاج منظومة فكرية للاصلاح وتحقيق تصورات عن شكل الممارسة واسلوب حياة الانسان وان بمقدورها انتاج مفاهيم جديدة عن الاشياء والانسان وتحد ماهيتها وحدودها.