باقر صاحب
ما زالت العلاقة بين الرواية والسينما موضوعةً أثيرة تتناولها الصحافة الثقافيَّة والفنيَّة العربيَّة.. على الرغم ممَّا ألّف بشأنها من كتبٍ وبحوثٍ ومقالات. أهميَّة الموضوعة وحسّاسيّتها تنبعان من أنّها تبحث في شؤون وشجون العلاقة بين سيدة الأنواع الأدبيَّة الرواية، وسيدة الفنون السمعيَّة والبصرية السينما.
متعة المقارنة
الرواية، ذلك النصّ المقروء، يحدث أن يشاهد قارئٌ ما لروايةٍ بين دفّتي كتاب، وهي مُجسدةٌ على الشاشة البيضاءـ على شكل فيلم، قد يكون أوّل ردّ فعله بأن يسرع إلى مقارنة مشاهد الفيلم مع أحداث الرواية عينها. وبالتأكيد، تتكوّن لديه أحكامٌ بشأن مطابقة الفيلم للرواية، حبكةً وأحداثاً وشخصيّات. فيخرج بانطباع الرضا أو عدمه.
إذاً ما حصده المشاهد هنا متعة المقارنة، التي قد تقوده إلى العودة لقراءة الرواية ثانيةً، وهنا يُجري مقارنةً متخيّلةً بين ما شاهده وأعاد قراءته.
وقد يحدث العكس، أنّ مُشاهد الفيلم المأخوذ من رواية، تقودهً حبكتها وأحداثها وشخصياتها إلى اقتناء الرواية وقراءتها، ويُجري متعة المقارنة المُتخيّلة وهو يقرأ متن الرواية أو بعد الانتهاء منها. متعة المقارنة قد تقود القارئ والمشاهد معاً إلى الحكم بجودة الرواية، وبأنّ ثيمتها أسهمت في انجاح الفيلم، أو إلى حكم أنّ الإخراج السينمائي الجيد، أبرز الرواية، بما يدفع المشاهد إلى قراءة الرواية. وبالنسبة للمهتمّ بشأني الرواية والسينما، ربّما يقرأها مرّات.
في إطار السينما العربيَّة، مثلاً، يبرز اسما الكاتبين المصريين نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، فلهما الصدارة في إقبال المخرجين المصريين على تحويل رواياتهما إلى أفلام، ولكلٍّ منهما رصيد خمسين فيلماً، وقد تكون النزعة الروائية الواقعية والتقليدية في رواياتهما، أسهمت في إنجاح الأفلام المأخوذة عن أعمالهما. كان هناك إقبالٌ جماهيريٌّ في مشاهدة الأفلام المأخوذة عنهما، حتى أصبحا، كمال يقال «نجمي شباك».
ما أسهم بدوره في زيادة الإقبال على قراءة الأعمال الروائيَّة ورقياً. فكان هناك تناسب نجاحٍ طرديٍّ بين النصّ المقروء والنصّ المرئي. طبعاً، الأمر يعود إلى دور مخرجي الأعمال في إظهارها بما يليق جودة الأعمال الروائيَّة.
القراءة الثانية
عديد الروائيين يعتبرون أن المشاهدة البصريَّة لرواياتهم، تُعدُّ بمثابة القراءة الثانية لأعمالهم الروائيَّة، فكان بعضهم راضين عن الإخراج السينمائي لأعمالهم، وبعضهم أصابهم السخط وقدّموا دعاوى إلى المحاكم ضدّ مخرجي أعمالهم، من الفئة الأولى كان نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، ومن الفئة الثانية يوسف إدريس، مع العلم أن الفيلم الذي لم يرضَ عن إخراجه هو فيلم « الحرام» المأخوذ عن روايةٍ له بالاسم نفسه، وعد ّ ضمن قائمة أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما المصريَّة، كما سنبين لاحقاً. أخرج هذا الفيلم أحد كبار مخرجي السينما المصريَّة هنري بركات، وسيناريو الكاتب المسرحي المعروف، وبطولة نجوم السينما المصرية: فاتن حمامة وعبد الله غيث
وزكي رستم.
عالمياً، كان الكاتب الأميركي سكوت فيتزجيرالد مستاءً جداً من إخراج روايته المعروفة « جاتسبي العظيم»، وغادر السينما قبل أن ينتهي الفيلم، وصرخت زوجته زيلدا « شاهدنا الفيلم ووجدناه مقرفاً وسيئاً» الاستياء والغضب تكرّر مع الكاتب : ‹›وينستون جروم›› حيث اقتبست سيرته الذاتية المعنونة» فورست جامب « في فيلمٍ من بطولة الممثل المعروف توم هانكس، إنتاج 1994، حيث صرح الكاتب وقتها «لا تدعوا أحداً يخرج فيلماً عن حياتكم فقد تندمون بشدة». بالمثل، هناك ما حدث مع الكاتب الفرنسي بوريس فيان، مؤلف رواية «سأذهب نحوكم لأبصق على قبوركم»، الذي ذهل عندما شاهد العرض السينمائي المقتبس عن روايته تلك، فبعد انتهائه صرخ في القاعة متهستراً «ماذا فعلتم بي؟ هذا ليس أنا». لكنّ مخرج الفيلم ردّ بشكلٍ هادئ: «نعم يا صديقي بوريس، هذا ليس أنت، ولكنّه نحن». فيان توفّي ساعتها بحالة انسدادٍ رئوي، وظلّ الفيلم معلّقاً، لأنّه لا يصحّ عرضه في دور السينما من دون موافقة الكاتب الذي رحل غاضباً عن الفيلم.
وهنا على من يتمّ تحويل روايته إلى السينما، أن يدرك بأنّ الصورة ليست الكلمة والعكس صحيح. وليس على مخرج الفيلم وكاتب السيناريو أن يقوما بالنقل الحرفي للنص الأدبي، فأين الابداع السينمائي من ذلك، فلكلٍّ من الكاتب والمخرج رؤيته المختلفة، وفي هذا السياق، قلّل المخرج الألماني إدوارد بيرغر لفيلم «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية»، المأخوذ عن روايةٍ للكاتب إريك ماريا ريمارك، قلّل من شأن الانتقادات المُوجّهة التي ترى أن فيلمه كان عبارةً عن إخراجٍ فضفاض، مقارنةً بأفلامٍ سابقةٍ مأخوذةٍ عن الرواية نفسها، قائلاً «الكتاب هو كتاب. وعندما يتمّ تحويله إلى فيلم، فإن الأمر يُعدّ طريقةً جديدة، فصانعو الأفلام يمكنهم – بل ويجب – أن يتحلّوا بقدرٍ كبيرٍ من الحرية عند تحويل الأعمال الروائية إلى عمل درامي».
الاقتباس هو الرائج
بالرغم من كلّ وقائع عدم الرضا والسخط من قبل الكتّاب عربياً وعالمياً، على القراءات الثانية «البصرية» لأعمالهم المقروءة، إلاّ أنّ عديد الاحصاءات عربياً وعالمياً تؤكد تصاعد نسب الأفلام السينمائية المقتبسة من روايات، فالناقد السينمائي المصري طارق الشناوي يذكر أفضل عشرة أفلامٍ في تاريخ السينما المصرية، بحسب استفتاءٍ لمئة ناقدٍ وفنانٍ وفنيٍّ ، كان الشناوي من ضمنهم، هذه الأفلام هي: العزيمة، الأرض، المومياء، باب الحديد، الحرام، شباب امرأة، بداية ونهاية، سواق الأتوبيس، غزل البنات، الفتوة، الأفلام المأخوذة عن المقتبسة عن روايات: الأرض لعبد الرحمن الشرقاوى، الحرام ليوسف إدريس، بداية ونهاية لنجيب محفوظ، نسبتها تتجاوز 30 بالمئة من الأفلام المذكورة آنفاً.
عالمياً، وبحسب تقريرٍ للكاتبة أنيسة مخالدي عن دراسةٍ فرنسية، قبل عدّة سنوات، وتناولت مئات الأفلام امتدّت على فترة ثماني سنوات» كشفت نتائجها بأنّ فيلماً واحداً من بين خمسة أفلام مقتبسٌ من كتاب، وبأنّ أكثر من 40 بالمئة من الأفلام التي سجّلت نسب مشاهدةٍ عالية «أي نجحت في بيع أكثر من 500 ألف تذكرة دخول» مستوحاةٌ من روايات. الدراسة نفسها تكشف أنّه من بين الـ 15 فيلما الأكثر مشاهدةً في فرنسا «تلك التي تخطّت عتبة مليوني تذكرة دخول» أكثر من نصفها
مُقتبسٌ من كتب».
في الغرب الآن، تغيرت العلاقة كثيراً بين الكتاب والناشرين ومنتجي الأفلام، نحو التعاون المثمر بينهم، وتشهد معارض الكتاب في باريس، على سبيل المثال، بحسب ما تذكر مخالدي المقيمة في باريس، إقبالاً من المنتجين، يتفاهم هؤلاء مع كبريات دور النشر، بشأن ما يمكن الإفادة من منشوراتها لتحويلها إلى أفلام.