بغداد : نور اللامي
تصوير: علي قاسم
جلسنا في زاوية المقهى، حيث الهدوء يلف المكان، فلمعت شاشة الهاتف الجديد بيد صديقتي «شهد»، بذهول سألتها: أهذا هو الهاتف الذي يزيد سعره على مليوني دينار؟.
أجابت بثقة: نعم، إنه الأحدث، لم أرد أن أكون خارج سباق العصر.
أنا : لكن والدك متقاعد، ثم هل أنت بحاجته؟
هي : لا ياعزيزتي.. إنها «الفيكة» ومواكبة التطور.
هذا التناقض بين انخفاض القدرة الشرائية والإقبال الكبير على السلع الفاخرة، مثل الهواتف الذكية، يشكل محور الحديث، ويسلط الضوء على تأثير الظروف الاقتصادية في عادات الاستهلاك وتطلعات المواطنين تجاه مظاهر الرفاهية، حتى لو كانت على حساب احتياجاتهم الأساسية.
التك تك والآيفون
«أمير» شاب يبلغ من العمر 21 عاماً، ويعمل سائق تك تك، تفاجأت بأنه يمتلك هاتف آيفون 15 برو ماكس، رغم ظروفه الاقتصادية المحدودة. وعندما سألته عن سبب اختياره لهذا الجهاز، قال إنه اشترى الهاتف بأسلوب التقسيط؛ لأنه يشعر أن امتلاكه له يعزز من ثقته بنفسه كشاب ويمنحه شعورًا بالمساواة مع أقرانه.
وأضاف أنه يرى الهاتف
كرمز للمكانة الاجتماعية، حيث يعتقد أن اقتناء هذا النوع من الهواتف يساعده في تجنب شعور النقص الذي قد يعاني منه في محيطه الاجتماعي.
من زاوية نفسية
تعتقد الدكتورة بتول عيسى، المختصة بالطب النفسي، أن «الإقبال على شراء الهواتف الباهظة الثمن، رغم محدودية الدخل، يرتبط بعوامل عدة، نفسية واجتماعية عميقة».
وتوضح أن «هذا السلوك قد يكون تعبيراً عن أزمة نفسية حيث يسعى الأفراد لتعزيز تقدير الذات أو الحصول على القبول الاجتماعي عبر امتلاك منتجات فاخرة»، مضيفة، أن «الهواتف الذكية، لا سيما تلك التابعة للعلامات التجارية الشهيرة، أصبحت رمزاً للنجاح والمكانة، ما يدفع بعض الأفراد للاعتماد عليها للتعبير عن هويتهم».
كما ترى أن «وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات الموجهة تلعب دوراً كبيراً في تعزيز هذه الظاهرة، حيث تعرض هذه المنصات الهواتف الفاخرة كأحد أوجه التميز الاجتماعي، ما يزيد الضغط على الأفراد لتقليد هذا النمط».
وأشارت كذلك إلى أن «التقسيط والقروض تتيح للأفراد اقتناء هذه الهواتف رغم عدم ملاءمة ذلك لإمكانياتهم المادية، ما يؤدي إلى قرارات استهلاكية غير عقلانية قد تكون مدمرة من الناحية المالية على المدى الطويل».
بينما قالت نورة الحسّاني، مدربة حياة وتنمية ذات، إن «الإقبال المتزايد على الهواتف الفاخرة بين ذوي الدخل المحدود يعكس أزمة تتعلق بالتقدير الذاتي والانتماء الاجتماعي، حيث يسعى الأفراد للاندماج وتجنب العزلة عبر اقتناء الأجهزة الحديثة، وإن الضغط الاجتماعي والإعلامي يعزز هذه الظاهرة، ما يدفع الأفراد للتفكير بأن امتلاك هاتف فاخر يعكس نجاحهم ومكانتهم».
وأضافت الحسّاني، أن «التأثيرات النفسية المترتبة على هذا السلوك تشمل ضغوطًا نفسية؛ نتيجة السعي المستمر لمجاراة التطورات التقنية، ما قد يسبب توترًا وقلقًا»، وأكدت «أهمية التوازن بين القيم المادية وتطوير الذات كوسيلة لتحقيق الرضا الداخلي وتجنب هذه الضغوط».