النغمة الشعريَّة وانسيابها الاختزالي

ثقافة 2019/06/28
...

ضحى عبدالرؤوف المل
تبتعد الشاعرة نادين الاسعد فغالي عن التعقيد في القصيدة، لتمنحها الظل؛ أي الحياة المرادفة لوجودها الحقيقي، للتأكيد على الشاعرية المرادفة لتحديد النغمة الشعرية وانسيابها الاختزالي، وبخصوصية تعبيرية ترتبط بالمحتوى البلاغي السهل الممتنع المعتمد على الإيقاع أو النغمة. لتعطي صوتاً خفياً للكلمات، وبتدريج أنثوي مثالي الصورة دون خلطٍ في المفاهيم الشفويَّة الصامتة. لتنسكب المعاني مستحضرة بقوة الموسيقى الشعرية المحافظة على روحية المعنى بعيداًعن عقدة الإيقاع الضمني مسكنة البعض، ومزهوة بالبعض الآخر. لتعطي القصيدة صوتاً شعرياً خاصاً يعتمد على الحركة وسكونها، وكأنَّ القصيدة هي السلم الموسيقي الذي تعزف من خلالها قصيدتها “كل عمري الآن يزهو وعلى ثغري ابتسام هات عينيك، حبيبي ورموشاً كالسهام لغة العينين ذابت وعلى جفني تنام كل حاء، كل باء كلها رف حمام..” متآلفة مع مكونها الشعري المتأصل في الأصوات للحروف داخل الكلمات مثل “رموشاً كالسهام، لغة العينين، ذاق الهوى، افلتت الزمام الخ.. فهل يمكن كسر الإيقاع في قصائدها الأخرى؟ تفتح نادين الاسعد فغالي الستائر لقصيدتها كي يتخيلها القارئ كظل إيمائي يتراقص مع المعاني، لتكسر الغموض بينها وبين قارئ قصيدتها، كأنه يسمعها ويراها بموضوعية الأنثى التي أطلقت المعاني وأيقظتها من غفوة الحلم الى الواقع “لن أهزك كي لا يتساقط ظل القصيدة ولن أعطي وصفاً كاملاً لعربات الريح التي يجرها كفاك ولروعة اللآلئ في عينيك ولحديث الأصداف عنك في صالونات البحر..”. إذ تبتعد نادين عن الفضفضة الشعرية أو بالأصح الزخرفة الزائدة الانفعالية، تاركة المشاعر في وجدان القصيدة تنطلق بحرية من دون إسفاف لغوي، بل! تسلط الضوء على نغمة الكلمة وسهولة معناها مع الاهتمام بالاندماج الشعري مع قيمة المعنى كالظل في العنوان والحياة المرادفة للضوء. إذ بدون الضوء ما من ظل يحيا، أو بمعنى آخر من دون وجود الشاعر ما من قصيدة تولد “بعدما طوقت اللغة وحدقت في عينيك نسيت ما تعلمت بلحظة نسيت آيات الغزل”. فهل من ارتباط بين الكلمة وظلها او معناها او بين الحياة والكلمة في قصيدة تشبه “الرجل الذي يبيت على منزلق الفاصلة ويلقي خطاباته على صهوة الفتحة ويسوق أحرف الجر الى ساقية القصيدة ويشرب قهوته معي على كتف الألف”. عاكسة ميولها الحياتية على ميولها الشعرية بتمثلات مختلفة هي لفتة شعرية نابضة بالإيماء دون انقطاع في مدى النغمة، وجمالية لحن القصيدة في صوتها الشعري الصامت. فهل القصائد في ديوان نادين الاسعد تغني ذاتها؟.
تنطلق بنا في قصيدة “أيا رجلاً” الى المعرفة بالآخر من خلال الأنا المتوازنة في قصائدها، وبشكل وثيق بالتحديث والعولمة والترجمة ورياح الرغبة التي تهب في الزمن الحديث أو في القصيدة المعاصرة، فالتحرش بالعولمة هو الانقضاض على الوسائل التقنية في التواصل السريع الذي فرض الخلط بين الجيد والسيئ أو الذي لا يفرق بين الغث والسمين، وبين الواقع والافتراض الذي استحوذ على تحديث الانوثة وفق نهج شعري تُلاطف به الرجل وتنتقده في آنٍ، فيكون بذلك متغيراً زمنياً يبحث عن التجدد، كالقصيدة الخالية من الفهم الحياتي أو المعرفي والقصيدة الغنية غير القابلة للتحديث، لأنها تجدد بذاتها من تلقاء نفسها مع المعنى المتغلغل فيها لتحقق انتصاراً على الذات، بتحديات بلاغية غير ثابتة بل متحركة مع الزمن او مع العولمة من خلال المعرفة “أيا رجلاً يحاول أنْ يتحرش بالعولمة لا يميز بين القراءة والمعرفة وبين اللغة والترجمة وبين التحديق والدهشة وبين أمور الحب وأمور الفراش”. وهذه رسالة ضمنية متنوعة في نسيجها المرن وذات كينونة استثمارية، أي تحديثيَّة تثمر عبر الزمن الذي أمسكته فيها لتبقيه طي الحاضر. فهل من تطويع في لغة هذا الديوان المتنوع في الأساليب الشعرية حيث “مذهل أنت آتيك كمن ذاق طعم الخمر كمن سره لسع الثمل”؟ لا يمكن رصد الحركة الشعرية في ديوان “ظل القصيدة” في مقال واحدٍ. إذ يستحق الديوان دراسة معمقة لسهولته وجذالة ألفاظه من جهة، وللانسيابيَّة المعقدة في باطنها الموسيقي من جهة أخرى، فالديوان يضعك أمام القصيدة المعاصرة وفق تحديث ذاتي تنتهجه ليحاكي الأزمنة المختلفة المتعلقة بالرجل من خلال المرأة بمعنى انعكاسية مرآة القصيدة في نفس الشاعر على مر الزمن “فتصهل تحت شمس الحرية لتستعمل قصائدي جرائدك الصباحية” فهل تستفز القصائد في ديوان “ظل القصيدة” زوبعة شعريَّة للفت الانتباه لنغمة الكلمة وقوتها؟