ابراهيم سبتي
هل يستطيع الإنسان أن يواجه التحديات التقنية الهائلة لوحده، والتي تتسارع وتبدّل ألوانها وأشكالها في كل لحظة؟ إنها مهمة أشبه بالمستحيلة أن يستوعب الإنسان ما يدور حوله من الانفجار التقني الصاخب والذي بات يغزو الحياة في كل أركانها ومفاصلها، إن لم يكن محصناً من تلك الشراك الخادعة. إنها تقنية العصر وتحدي المستقبل بأن نترقب في كل لحظة اختراعاً جديداً وصناعة جديدة وبرامج لم تكن معروفة حتى قبل أسابيع أو أيام. إنها متطلبات العصر التي تسابق الزمن من أجل أن تسيطر على مجريات العقل البشري وربما قد تحل محل العقل وتطرحه جانباً، كي تعمل ما لا يستطيع عمله في إنجاز أعقد المسائل والمعادلات والنظريات. هذه مفاهيم العصر التقني المخيف التي لا يمكن أن تترك الأمور على راحتها وهي تتغلغل في عقول البشر، فالمستقبل القريب ربما سيسجل انعطافاً خطيراً في المسيرة البشرية واللعب في مفاهيمها والعبث بمعرفياتها الثابتة، لصنع عالم خاص لا نعرف مداه ومدى خطورته وسلبياته. إن المؤسسة التربوية هي السدّ المنيع في مواجهة بعض الانحرافات في مجال التقنية السائدة في الواقع الافتراضي والتي باتت تتحكم حتى في أمزجة ونوايا وأفعال بعض المستخدمين. وحين نجد أن المؤسسة التربوية تجهد في ترسيخ المبادئ والعلوم، فهي تعمل على تحديد المفيد الأكيد للطالب الذي هو محور العملية التربوية، باعتبارها العمود الفقري في جسد المجتمع حين تبحث عن المبادئ والأصول لضخها في عقول الطلاب. فهي تعمل على كسر حاجز الخوف من تقنية الواقع الافتراضي التي تجرف كل شيء في طريقها، ما لم تضع الأسرة والمؤسسة التربوية سداً منيعاً وصلباً، لحماية العقول وتشذيبها وتنقيتها من العوالق التي تحدث في بعض الأوقات. إن حاجة الأسرة إلى المؤسسة التربوية حاجة ملحة، ولا بد لهما من العمل معاً لسبر أغوار السيول الضارة التي تعبث في العقول وتحاول استمالتها نحو الأسوأ، إن لم تردع تلك الأفعال بالقيم التربوية والثوابت الأسرية والمجتمعية. وبالتالي فالحفاظ على العقول الفتية هي مهمة لا يمكن أن تكون سهلة، ما لم تتضافر الجهود للحيلولة دون الوقوع في فخ الواقع الافتراضي المغري والذي يضم بين دفتيه كل ما يغوي العقول ومحاولة استمالتها نحو الهلاك. إن مهمة المدرسة ومن قبلها الأسرة، لهي مهمة تحتاج لكثير من التصدي والمجابهة وصناعة جدران من السدود التي تمنع من الوقوع في إشكالات لا يمكن استيعابها في مجتمعنا. إنها مهمة صعبة ومعركة شرسة بين ما تطرحه التقنية المعاصرة بمختلف تنوعها، وبين الثوابت التي تمنحها المدرسة للمتعلم والتي هي الركيزة القوية في بناء المجتمع بمشاركة الأسرة بالتأكيد.