ابراهيم العبادي
تفاعل الكثير من القراء الكرام مع مقالة الاسبوع الماضي، التي كان عنوانها موقع العراق في سياسة ادارة ترامب الجديدة، وافق العديد من القراء المتخصصين بأن السنوات الأربع المقبلة ستكون مليئة بالتحديات الداخلية والخارجية، بعضهم قال ليس هناك جديد، فالتحديات مافتأت تكتنف مسيرة العراق، والأوأ تجاوزناه، وعلينا ألّا نتشاءم كثيرا مع مجيء ادارة امريكية جديدة، فماذا يمكن أن يحصل اكثر من الذي حصل في السنوات الماضية!.
اذا شئنا التفريق بين اتجاهي التفكير هذين، يمكننا أن نصنف مدرستين في القراءة والتحليل، المدرسة الواقعية والمدرسة المثالية، أو لنقل المدرسة الأيديولوجية، المدرسة الواقعية تدرس الوقائع وتحاول قراءتها من منظور عملي مادي حسابي، لا تدخل فيه الامنيات والرغبات والمثل، إنها تسعى لتقدير المخاطر وحساب الكلف وتحصيل المصالح وجني المكاسب وتجنب الخسائر أو تقليلها إلى ما أمكن، المدرسة الواقعية تريد الاستعداد المبكر للطوارئ من اجل حساب الامكانات والتكيف مع المتغيرات السياسية والأمنية والعوامل الاقتصادية المفاجئة، إن جمع الأدلة والمعلومات واعتماد الارقام وقياس المدخلات والمخرجات، أصول أساسية في حساب المخاطر، ولا تدخل الحسابات الشخصية والتصورات والتوقعات ذات الاحتمال القليل في هذه التقديرات، لا شك أن أحد المشكلات الكبرى في اضعاف تقدير المخاطر هو المراهنة على عوامل غير مرئية، لا يمكن حسابها بناء على وثوقية عقائدية أو نبوءات دينية، أو انزال إخبار أو مرويات منزلة المصاديق الواقعية .
هناك مشكلة مفاهيمية لم تحل بعد في أذهان الكثير من الاسلاميين تسببت في التباسات كثيرة وربما سوء فهم ومغامرات ونكبات، وهي الدمج بين عالمي الغيب والشهادة، بين الشهود المادي والعملي وبين الاعتماد على الغيب في تقدير المخاطر، إن المدد الإلهي والمعونة الربانية والتوكل على الله تعالى، عناصر كبرى في حركة المنتمين إلى المدرسة الاسلامية، غير أن هذه العناصر لا تشتغل لوحدها دونما إعداد مادي وتكافؤ في ميزان القوى وتقدير صحيح للامكانات الذاتية وامكانات العدو، واستفراغ الوسع في اعداد العدة، ثمة فرق كبير بين ان تدافع مضطرا عن وجودك حينما يصول ويباغتك العدو وبين أن تبادر لفتح الجبهات وتوسيع رقعة المواجهات وظهرك مكشوف وامكاناتك محدودة، قوة الايمان وعدالة القضية ليستا وحدهما من يحسمان المعارك، سيما المعارك الكبرى والصراعات المستعصية ذات الامتداد الحضاري (الديني والثقافي)، فرق شاسع بين أن تستدرج لمعارك يخطط لها عدوك أو ينفرد في الدخول فيها ويتخذ قرارها فصيل من فصائل الامة، وبين معركة كبرى تخطط لها انت وتخوضها باسم الامة كلها ويتقرر فيها مصير ومستقبل امة باسرها . تقدير المصالح والمفاسد وحساب الاحتمالات السيئة باقصى مدياتها من مقتضيات تقدير المخاطر لدى صانع القرار ممن ينتسب إلى الموازين الشرعية الدينية، اما الذين لا يلتزمون بالمحددات والمقتضيات الشرعية الاسلامية فان مرجعيتهم الفكرية والسياسية هي الدولة والمجتمع السياسي، والضابط لهذه المرجعية هو القانون والدستور وأساسيات الامن القومي المجتمعي.
في كلا الاتجاهين ينبغي أن تحتل سيادة الدولة ومصالحها المحدد الأساسي لكل حزب أو فئة أو جماعة أو فصيل فيما يتبنى من مواقف وسياسات، أعلاها أن يكون تحت سقف الدستور وضوابط الامن القومي، ولا ينبغي أن تكون ولاية أحد حاكمة غير ولاية الدستور، الذي عقد الأمة القانوني والسياسي وهو الإطار المرجعي لكل مواطني الدولة بما يحفظ سيادة ومصلحة ركن الدولة الاهم وهو الشعب أو الامة (اكثر من شعب ).
يتأرجح العراق بين سياسات الحرب والسلام بسبب ضياع البوصلة السياسية وغياب منهج التفكير الصائب في فقه الاولويات والمصالح، يعتقد البعض أن التفكير الواقعي يتعارض مع المبادئ والافكار الاممية الاسلامية ويجادل كثيرا في هذه القضايا معتقدا أنه حليف الصواب وغيره انحرف عن المبادئ الاسلامية، ويعاني من تشويش وضبابية، ولو تمهل قليلا وأرجع قضايا (الأمن والخوف ) الى ذوي الاختصاص ممن تجتمع بهم خصائص التفويض والدراية والعمق والموضوعية والعقلانية، لأعفوا أنفسهم التكلف الصارخ في حمل المسؤولية بلا تفويض من الامة، ولا قبول من عقلائها وذوي الشأن والمسؤولية فيها، اعتقادا بصوابية الرأي والموقف .