محمد علي الحيدري
تعد قضية الصراع بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني "المحظور" من أكثر القضايا تعقيدًا في الشرق الأوسط خاصة، وأن الصراع يتسم بعمليات عسكرية واسعة وعنيفة ليس على الأراضي التركية فقط بل وينتشر في دول مجاورة لتركيا كالعراق وسوريا.
ومع تزايد الاضطرابات في المنطقة وتغير المعادلات السياسية، تبرز محاولات جديدة لإنهاء هذا الصراع المستمر منذ عقود.
لكن ما هي فرص نجاح أي وساطة بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني؟ وما هي العراقيل التي قد تواجهها؟.
لقد أدت التغيرات السياسية في المنطقة إلى خلق بيئة جديدة قد تكون مواتية للوساطة، فالتقارب التركي مع بعض الدول العربية وتحسن العلاقات مع الغرب قد يسهم في خلق ضغط دولي يدفع الطرفين نحو طاولة المفاوضات.
من جهتها أبدت الحكومة التركية مؤخرًا بعض المرونة في التعامل مع القضية الكردية، حيث أطلقت مبادرات سياسية داخلية تهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار، كما أن هناك إشارات من حزب العمال الكردستاني على استعداده للدخول في حوار سياسي إذا توفرت الظروف الملائمة.
وفي هذا الشأن يمكن أن يلعب المجتمع الدولي أيضا دورًا حاسمًا في دعم جهود الوساطة من خلال تقديم ضمانات للطرفين وتوفير منصة محايدة للحوار. كما أن الدعم المالي والتقني من المنظمات الدولية، يمكن أن يسهم في بناء الثقة بين المصالح المتضاربة للمتخاصمين. وتختلف بالطبع أهداف الطرفين بشكل كبير، حيث تسعى الحكومة التركية إلى الحفاظ على وحدة أراضيها وسيادتها، بينما يطالب حزب العمال الكردستاني بحقوق أكبر للكرد، بما في ذلك الحكم الذاتي أو حتى الاستقلال في بعض الأحيان مستفيدا من التجربة المطلبية السلمية لكرد العراق قبيل وبعد سقوط نظام السابق.
لكن بعض القوى الإقليمية والدولية، ولمصالح ضيقة، تلعب دورا في تأجيج الصراع من خلال دعم أحد الطرفين على حساب الآخر وهذا التدخل يعقد جهود الوساطة ويزيد من صعوبة الوصول إلى حل دائم.
في هذه الأثناء تستمر العمليات العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وسوريا، مما يزيد من التوتر ويعقد جهود الوساطة كما أن الهجمات التي ينفذها الحزب داخل تركيا تزيد من صعوبة بناء الثقة بين الطرفين.
ومع ذلك كله فإن العلاقات بين تركيا وحزب العمال الكردستاني (PKK) المحظور تشهد تطورات غير مسبوقة، وسط حديث عن مبادرات جديدة للحوار تهدف إلى إنهاء عقود من الصراع المستمر. ففي أكتوبر الماضي، أشار زعيم حزب الحركة القومية التركي، دولت بهتشلي، إلى إمكانية إشراك عبد الله أوجلان، الزعيم المعتقل لحزب العمال الكردستاني، في عملية الحوار، مما فتح باب التساؤلات حول مدى جديّة هذه الخطوات وإمكانية تحقيق السلام في المستقبل القريب.
وقد بدأت ملامح المبادرة تتضح بعد تصريح مفاجئ لبهتشلي، دعا فيه لإعادة النظر في السياسات تجاه الكرد، وخاصة من خلال إشراك أوجلان في مفاوضات تهدف إلى إقناع حزب العمال الكردستاني بالتخلي عن العنف مقابل الحصول على حقوق ثقافية وسياسية أوسع للقومية الكردية.
هذا التحول اللافت يأتي في ظل تصاعد التوترات الداخلية والخارجية؛ فقد شهدت تركيا تصاعدًا في العمليات الأمنية والعسكرية ضد حزب العمال، سواء داخل حدودها أو في المناطق الكردية الحدودية بالعراق وسوريا.
من ناحية أخرى، نقلت مصادر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رغم دعمه التقليدي للحلول العسكرية، أبدى استجابة غير مباشرة لهذه الدعوات، معبرًا عن "الانفتاح على أي وسيلة لإنهاء الإرهاب"، في إشارة ضمنية ربما إلى دعمه لهذه المبادرة.