زهير الجبوري
لعل ما يمرُّ به الأنسان العراقي في راهننا الآن، هو امتداد للمحنة التي عشنا تفاصيلها منذ بداية العقد التسعيني من القرن الماضي، وصولا الى يومنا هذا، ولا أدري كَمْ كانت هناك تفاصيل كبيرة في الأزمات الاجتماعية والفكرية والسياسية والنفسية لهذا المجتمع المبتلى؟ إنها فعلا مرحلة ليست بالقصيرة ولا بالهينة حين نقرأ تفاصيلها بتأنٍ دقيق لما يقارب العقدين والنصف..! وبعيدا عن التحولات الأيديولوجية وفترة الاحتلال وفترة تعدد الأحزاب في عالمنا ما بعد 2003، ثمّة مسألة تأخذ على عاتقها السؤال الجوهري، هو ما الجديد في مرحلة الانفتاح العراقي..؟ أدرك مدى حساسية الموضوع وربما يعرف الجميع ممن لديه عمق ومعرفة تحليلية في عالم السياسة أو تفاصيل المنطقة في الشرق الأوسط.. وما نريد الوصول إليه هو ذاته ما يرده الشعب بأقل مجهود وأقل أسئلة، وهو كيف يمكن الإمساك بحقوق المجتمع من ناحية البنى التحتية أو من ناحية الاستقرار العام في كل مفاصل الدولة بعد أن جاءت وسائل الميديا والاتصالات والفضائيات لتجعل من الساكن معلنا، وتجعل من الحبة الصغيرة صخرا كبيرا، ولأن الموضوع شائك وكبير، وأن الموضوع فيه تشعبات كبيرة تنطوي على قراءات واسعة في أزمات الكهرباء والماء والخدمات والبنى التحتية، وغيرها الكثير، اختصر ذلك بموضوع واحد، هو مسألة (التطبيب)، ولعل هذه المسألة مهمة وغاية الأهمية، بحيث أثرت في حلم الشباب في مرحلة الثانوية أن يكونوا اطباء، بمعنى أن (الطبيب) في العراق أصبح له خصوصية بين المجتمع، بل أثر ذلك طبقيا على المجتمع في حين نجد في باقي البلدان الأخرى أن الطبيب هو موظف مثل أي موظف في الدولة، دوره ينتهي عند انتهاء دوامه الرسمي، والمؤسسة هي التي ترعى مرضى أبناء البلد، وهنا ما يسمى بـ(ضمان الطبي) للفرد، لكن في العراق ومنذ عقود، اصبح الطبيب واحدا من أكثر طبقات المجتمع تمايزا من الناحية المادية لكثرة المرضى، بسبب الأوضاع والأزمات المتتالية في البلد، ما جعل بعض اصحاب الأملاك يهدمون أبنيتهم السكنية ويحولونها الى مجمعات طبية، ولمست ذلك في الكثير من محافظات العراق التي زرتها، هنا يبقى السؤال: أين الدولة من كل هذه التجاوزات؟ وأين الدولة من قراءة الواقع الصحي للبلد وأكثر من نصف ابناء البلد تحت خط الفقر؟ وأين الدولة من أصحاب الدخل المحدود ممن لم يستطع شراء دواء ومراجعة طبيب؟ كل هذه الأسئلة تحتاج الى قراءة، وإلى رؤية فاحصة لإعادة رونق الأمكنة التي تحولت إلى فوضى بسبب جشع الاستفادة من تحويل هذه الأبنية من غير خطط مشروعة. ولماذا لم تكن هناك خطط مدروسة لمناقشة واقع التطبيب في العراق، ولماذا هذه الشراهة عند أبنائنا في أخذ الشهادة الطبية والتفاخر بها؟ أعتقد أنه خراب (معقلن) ـ إن صح التعبير ـ، وأذكر أن طبيبا وزوجته الطبيبة حين لم يحصل ابنهما على درجة عالية في الثانوية، بل كانت درجته أقل بكثير من النيل بالشهادة الطبية، بحثا عن جامعة أوروبية وأغدقا الأموال كي يدرس فيها، فلو كانت لمفاصل الدولة الأخرى في الصناعة والتجارة والزراعة والهندسة، وغيرها الأثر الكبير لما كان لدور (التطبيب) هذا التمايز، والموضوع سيبقى عالقا اذا ما كانت الدولة لها الدور الحاسم في ذلك.